وقفة عند حوار الإسلاميين مع الغرب
لكأن البعض من كتابنا وسياسيينا قد وجد “ضالته” في تصريحات منسوبة لقادة إسلاميين تتحدث عن رفع الحظر عن الحوار والاتصال مع الأمريكيين والبريطانيين، ليدشن حملة شعواء من التشكيك والاتهام لهذه الحركات...تارة بـ”تبديل جلدها”، وثانية “بعقد الصفقات المشبوهة تحت الطاولة”، وثالثة بـ”الإسلامي العثماني المتأمرك”، ورابعة بـ”الباطنية والتِقية” إلى غير ما هنالك من “معزوفات” ظاهرها فيه الحرص على الحقوق القومية والوطنية، وباطنها يخفي صراعات سياسية وفكرية مع التيار الإسلامي، بعضها مشروع، وينبع عن خلاف حقيقي في الوجهة والتوجه، وبعضها الآخر يخفي حسابات وأجندات طائفية وإقليمية تكاد تفضح نفسها وبنفسها.
ويزداد المراقب للمشهد السجالي الفكري والسياسي، دهشةً وأسفاً، حين تصدر مثل هذه الانتقادات والاتهامات، عن أسماء لم يعرف لها تاريخ مجيد في مقارعة “الإمبريالية” و”الاستكبار العالمي”، بل أنها نشأت في حواضن عُرفت واشتهرت تاريخياً بقربها من الغرب ورهانها عليها وارتهانها له ولاستراتيجياته وحساباته...لكن يبدو أن الوسيلة عند هؤلاء، تبرر الغاية، وعداء هؤلاء أو بعضهم على الإقل للإسلاميين، تهون في سبيله عمليات التقلب والانقلاب السياسي والفكري.
لقد أدرج كثيرون، مراجعة الحركة الإسلامية الأردنية لقرارها بمقاطعة الأمريكيين والبريطانيين في سياق ما أسموه “إنقلاب الإسلاميين على أنفسهم”، وهم اتخذوا من “رسائل الطمأنينة والاطمئنان” التي وجهها إسلاميون مصريون وتونسيون ومن قبلهم عراقيون ومغاربة، للغرب كذريعة لتصعيد الهجوم وتشديد وتائره...حتى أن البعض منهم بدأ يتحدث عن “مؤامرة” جاءت بهؤلاء إلى السلطة، ظاهرها “صناديق الاقتراع” وباطنها “صفقات متواطئة” مع الغرب الاستعماري (؟!)...ووصل الحد بسياسيين وكتاب حد اتهام “ربيع العرب” بمجمله على أنه جزء من هذه “المؤامرة” وإفراز من إفرازاتها، وأخذ يلونه بالأصفر والبرتقالي وغير ذلك من الألوان.
نحن نوافق القائلين، بأن بعض – وليس كل - إسلاميي بلادنا العربية، قد ذهب أبعد مما ينبغي في نشر كتب الطمأنينة ورسائل الاطمئنان...لقد تناولنا ذلك بالنقد أكثر من مرة، وفي هذه الزاوية بالذات، بل وتحدثنا وجاهة إلى رموز كبار في حركات إسلامية عربية عديدة عن هذا الأمر....لكننا لم نصل في قراءتنا إلى حد الإتهام أو “التخوين” أو إلى ضفاف حديث المؤامرة....قلنا لهؤلاء أن ليس مطلوباً منكم الانتقال إلى “الخنادق” صبيحة اليوم لفرز الأصوات وإعلان نتائج الانتخابات، ولكن الحكمة والمصلحة تقتضيان عدم الذهاب أبعد من اللازم في بث هذه الرسائل المفتوحة والمُشفّرة، وأحسب أن ثمة تفهماً لوجهة النظر هذه...أحسب أن الغرب نفسه، لم يصل في قرائته لهذه الرسائل المبلغ الذي وصله بعض أبناء جلدتنا، فإنت لا تكاد تلتقي مسؤولاً أو باحثاً غربياً، إلا وتقرأ على وجهه ولسان، أسئلة من نوع: إلى متى سيستمر هذا الموقف، وهل هو من النوع النهائي، أم تكتيك أملته ضرورات الانتقال وتحديات المرحلة من سياسية واقتصادية وأمنية وغيرها؟.
أما عن حوار الإسلاميين مع الغرب عموماً، فنحن نرى أن هذا لا يثلم أبداً مواقف هؤلاء...فالأصل أن يكون هناك حوار وأن يكون هناك تبادل وأن يكون هناك تواصل...ومَن مِن تيارات العمل السياسي والفكري، لم تحاور الغرب وتأتلف معه وتتلاقح مع أفكاره وتشتبك معه في الآن ذاته...ولماذا الافتراض بأن حوار الإسلاميين مع الغرب هو من صنف آخر من الحوارات، صنف “المؤامرة” و”الصفقة”، أو أنه سيفضي إلى استتباعهم له لا محالة...وهل هم أقل تحصيناً من تيارات سياسية يسارية وقومية وليبرالية، حاورت وائتلفت واشتبكت مع الغرب؟...ألا ينتمي كثير من أحزابنا السياسية اليسارية على سبيل المثال لا الحصر والاتهام، إلى ائتلافات دولية مركزها الغرب أساساً، كالاشتراكية الدولية الحاكمة في عديد من عواصم الغرب؟.
الأصل، في الأحزاب السياسية الكبرى، وهي الآن الإسلامية بخاصة، أن تفتح حوارات مع الجميع، دولاً وأحزابا واتجاهات وتيارات، وإن كان ثمة من خط تشديد يجب أن يوضع تحت كلمة حظر ومحظور، فهي ذاك الذي يتعلق بالحوار والتفاوض مع إسرائيل والإسرائيليين...ما عدا ذلك، الحوار جائز ومطلوب وضروري، ولقد سبق لكل القادة الكبار لكل التيارات السياسية والفكرية العربية الكبرى، أن حاورا واتفقوا واختلفوا واشتبكوا وتحاربوا مع الغرب، من جمال عبد الناصر مروراً بصدام حسين وانتهاء بعلي ناصر وعلى سالم البيض وغيرهم.
ولطالما وجدت موقف الإسلاميين الرافض للحوار مع الغرب أفراداً وتيارات وحكومات مُحيراً...وهم اليوم يصححون من وجهة نظري، خطأ قارفوه من قبل، وتركوا للغرب أن يسمع عنهم، ومن حكامهم، بدل أن يسمع منهم وعن أنفسهم...وكان بنتيجة ذلك – من ضمن أسباب أخرى - أن تشكلت صورٌ نمطية عنهم وتعممت ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي لا يمكن لعاقل أن ينكر أثرها على أحداث العقدين الفائتين وتطوراتهما.
في حالة إسلاميي الأردن، أعتقد أن الحوار مطلوب...أما في حالة إسلاميي فلسطين (حماس) فهو ضروري، وأحسب أن الحركة تسعى جاهدة في سبيله، وهي تعد انفتاح الغرب عليها، علامة من علائم نجاحها والإقرار بها فاعلاً رئيساً في أوساط شعبها...ولقد كنّا وبتواضع، من بين المطالبين بالانفتاح على حماس وحزب الله والإخوان المسلمين بعامة، في كل محفل ومؤتمر ومناسبة مع الغربيين، وكنا نُوَجهُ بالصدّ والاستنكار في بادئ الأمر، إلى أن انقلبت الموازين وتبدّلت الأحوال.
لكننا ونحن نسعى في ذلك ونؤيد مسعى الإسلاميين الانفتاحي، نحرص دائماً على أن لا تنجرف البوصلة إلى إلى غير وجهتها واتجاهها، وأن لا نذهب بعيداً في “التكيّف” مع موجبات الحوار ومتطلباته، لأننا عانينا من أنظمة “الهرولة” و”الاستتباع”، ولا نريد لبدائلها في عدد من دول الربيع العربي أن تغزل على “النول” ذاته، نريد للحركات الإسلامية ونريد منها، مواقف أكثر صلابة فيما خص حقوقنا الوطنية والقومية من مواقف أنظمة وحكومات بائدة، وفي مقدمتها الحق في فلسطين، وأجازف بالقول أنها ستفعل ذلك.
ويزداد المراقب للمشهد السجالي الفكري والسياسي، دهشةً وأسفاً، حين تصدر مثل هذه الانتقادات والاتهامات، عن أسماء لم يعرف لها تاريخ مجيد في مقارعة “الإمبريالية” و”الاستكبار العالمي”، بل أنها نشأت في حواضن عُرفت واشتهرت تاريخياً بقربها من الغرب ورهانها عليها وارتهانها له ولاستراتيجياته وحساباته...لكن يبدو أن الوسيلة عند هؤلاء، تبرر الغاية، وعداء هؤلاء أو بعضهم على الإقل للإسلاميين، تهون في سبيله عمليات التقلب والانقلاب السياسي والفكري.
لقد أدرج كثيرون، مراجعة الحركة الإسلامية الأردنية لقرارها بمقاطعة الأمريكيين والبريطانيين في سياق ما أسموه “إنقلاب الإسلاميين على أنفسهم”، وهم اتخذوا من “رسائل الطمأنينة والاطمئنان” التي وجهها إسلاميون مصريون وتونسيون ومن قبلهم عراقيون ومغاربة، للغرب كذريعة لتصعيد الهجوم وتشديد وتائره...حتى أن البعض منهم بدأ يتحدث عن “مؤامرة” جاءت بهؤلاء إلى السلطة، ظاهرها “صناديق الاقتراع” وباطنها “صفقات متواطئة” مع الغرب الاستعماري (؟!)...ووصل الحد بسياسيين وكتاب حد اتهام “ربيع العرب” بمجمله على أنه جزء من هذه “المؤامرة” وإفراز من إفرازاتها، وأخذ يلونه بالأصفر والبرتقالي وغير ذلك من الألوان.
نحن نوافق القائلين، بأن بعض – وليس كل - إسلاميي بلادنا العربية، قد ذهب أبعد مما ينبغي في نشر كتب الطمأنينة ورسائل الاطمئنان...لقد تناولنا ذلك بالنقد أكثر من مرة، وفي هذه الزاوية بالذات، بل وتحدثنا وجاهة إلى رموز كبار في حركات إسلامية عربية عديدة عن هذا الأمر....لكننا لم نصل في قراءتنا إلى حد الإتهام أو “التخوين” أو إلى ضفاف حديث المؤامرة....قلنا لهؤلاء أن ليس مطلوباً منكم الانتقال إلى “الخنادق” صبيحة اليوم لفرز الأصوات وإعلان نتائج الانتخابات، ولكن الحكمة والمصلحة تقتضيان عدم الذهاب أبعد من اللازم في بث هذه الرسائل المفتوحة والمُشفّرة، وأحسب أن ثمة تفهماً لوجهة النظر هذه...أحسب أن الغرب نفسه، لم يصل في قرائته لهذه الرسائل المبلغ الذي وصله بعض أبناء جلدتنا، فإنت لا تكاد تلتقي مسؤولاً أو باحثاً غربياً، إلا وتقرأ على وجهه ولسان، أسئلة من نوع: إلى متى سيستمر هذا الموقف، وهل هو من النوع النهائي، أم تكتيك أملته ضرورات الانتقال وتحديات المرحلة من سياسية واقتصادية وأمنية وغيرها؟.
أما عن حوار الإسلاميين مع الغرب عموماً، فنحن نرى أن هذا لا يثلم أبداً مواقف هؤلاء...فالأصل أن يكون هناك حوار وأن يكون هناك تبادل وأن يكون هناك تواصل...ومَن مِن تيارات العمل السياسي والفكري، لم تحاور الغرب وتأتلف معه وتتلاقح مع أفكاره وتشتبك معه في الآن ذاته...ولماذا الافتراض بأن حوار الإسلاميين مع الغرب هو من صنف آخر من الحوارات، صنف “المؤامرة” و”الصفقة”، أو أنه سيفضي إلى استتباعهم له لا محالة...وهل هم أقل تحصيناً من تيارات سياسية يسارية وقومية وليبرالية، حاورت وائتلفت واشتبكت مع الغرب؟...ألا ينتمي كثير من أحزابنا السياسية اليسارية على سبيل المثال لا الحصر والاتهام، إلى ائتلافات دولية مركزها الغرب أساساً، كالاشتراكية الدولية الحاكمة في عديد من عواصم الغرب؟.
الأصل، في الأحزاب السياسية الكبرى، وهي الآن الإسلامية بخاصة، أن تفتح حوارات مع الجميع، دولاً وأحزابا واتجاهات وتيارات، وإن كان ثمة من خط تشديد يجب أن يوضع تحت كلمة حظر ومحظور، فهي ذاك الذي يتعلق بالحوار والتفاوض مع إسرائيل والإسرائيليين...ما عدا ذلك، الحوار جائز ومطلوب وضروري، ولقد سبق لكل القادة الكبار لكل التيارات السياسية والفكرية العربية الكبرى، أن حاورا واتفقوا واختلفوا واشتبكوا وتحاربوا مع الغرب، من جمال عبد الناصر مروراً بصدام حسين وانتهاء بعلي ناصر وعلى سالم البيض وغيرهم.
ولطالما وجدت موقف الإسلاميين الرافض للحوار مع الغرب أفراداً وتيارات وحكومات مُحيراً...وهم اليوم يصححون من وجهة نظري، خطأ قارفوه من قبل، وتركوا للغرب أن يسمع عنهم، ومن حكامهم، بدل أن يسمع منهم وعن أنفسهم...وكان بنتيجة ذلك – من ضمن أسباب أخرى - أن تشكلت صورٌ نمطية عنهم وتعممت ظاهرة “الإسلاموفوبيا” التي لا يمكن لعاقل أن ينكر أثرها على أحداث العقدين الفائتين وتطوراتهما.
في حالة إسلاميي الأردن، أعتقد أن الحوار مطلوب...أما في حالة إسلاميي فلسطين (حماس) فهو ضروري، وأحسب أن الحركة تسعى جاهدة في سبيله، وهي تعد انفتاح الغرب عليها، علامة من علائم نجاحها والإقرار بها فاعلاً رئيساً في أوساط شعبها...ولقد كنّا وبتواضع، من بين المطالبين بالانفتاح على حماس وحزب الله والإخوان المسلمين بعامة، في كل محفل ومؤتمر ومناسبة مع الغربيين، وكنا نُوَجهُ بالصدّ والاستنكار في بادئ الأمر، إلى أن انقلبت الموازين وتبدّلت الأحوال.
لكننا ونحن نسعى في ذلك ونؤيد مسعى الإسلاميين الانفتاحي، نحرص دائماً على أن لا تنجرف البوصلة إلى إلى غير وجهتها واتجاهها، وأن لا نذهب بعيداً في “التكيّف” مع موجبات الحوار ومتطلباته، لأننا عانينا من أنظمة “الهرولة” و”الاستتباع”، ولا نريد لبدائلها في عدد من دول الربيع العربي أن تغزل على “النول” ذاته، نريد للحركات الإسلامية ونريد منها، مواقف أكثر صلابة فيما خص حقوقنا الوطنية والقومية من مواقف أنظمة وحكومات بائدة، وفي مقدمتها الحق في فلسطين، وأجازف بالقول أنها ستفعل ذلك.