من سيحاسب أمريكا على جرائمها التي ارتكبتها في حق البشرية؟

أخبار البلد-

لطالما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية  نفسها الدولة الأفلاطونية التي تنشر العدل والمساواة والسّلام والحق والديمقراطية، والتي روجت لقيمها باعتبارها البلد المحافظ  على الأمن الدولي الذي يعمل من أجل  رفعة البشرية وتطورها، ولكن يبدو بأن الواقع يكذب كل تلك الادعاءات الباطلة، فقراءة متأنية للتاريخ الأمريكي منذ سنة 1775م، تبين لنا بما لا يدع مجالاً للشك بأنها من أكثر الدول الاستعمارية الامبريالية التي عاثت فساداً في المجتمع الدولي، وخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بعدما أضحت الدولة الرأسمالية العظمى التي صاغت مواثيق النظام الدولي الثنائي القطبية في ذلك الوقت، بما يخدم استدامة سيطرتها ونفوذها على المنظومة الدولية، حتى بوجود الاتحاد السوفياتي، ذلك المارد الأحمر الذي نازعها حكم العالم قرابة النصف قرن من الزمن، وذلك قبل انهياره بعد تفكك جمهورياته لدول مستقلة بداية من تاريخ 26 ديسمبر/ كانون الأول 1991م، مع تولي بوريس يلتسن مقاليد الحكم خلفاً لآخر رؤساء الاتحاد السوفياتي ميخائيل غورباتشوف. كما ذكر موقع لماذا؟ الإخباري، بتاريخ 5 جانفي/ كانون الثاني 2011م، في مقال بعنوان ( لماذا حدث تفكك الاتحاد السوفياتي رغم قوته الاقتصادية و العسكرية؟).

فبلاد العم سام التي سميت بهذا الاسم نسبة لذلك التاجر صامويل ويلسون الذي كان يقدم صناديق اللحم الطازج لجنود الجيش الأمريكي الذي كان يخوض حرباً طاحنة مع البريطانيين وحلفاءهم الشماليين سنة 1813م، وكان يكتب على تلك الصناديق حرفي U.S كما أشارت إلى ذلك صحيفة نيويورك تايمز سنة 2015م، قد خاضت العديد من الحروب الداخلية من أجل الحفاظ على وحدتها واستقلالها، سقط فيها مئات الآلاف من الأبرياء العزل، سعت منذ بدايات القرن 21م لتغيير كافة المفاهيم والقيم والأفكار والثقافات والقوى التي رأت فيها الإدارات الأمريكية المختلفة، خطراً داهماً يهدد استدامة نفوذها على المؤسسات الدولية، التي هي من وجهة نظرها لا دور لها سوى تنفيذ القرارات والسّياسات الصادرة على مؤسسات صناعة القرار الأمريكية، وبالأخصتلك التي تتواجد مقراتها فوق التراب الامريكي كمنظمة الأمم المتحدة، وتتحمل الحكومة في واشنطن دفع الجزء الأكبر من ميزانيتها بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فإن واشنطن عن طريق تلك السّياسات البرغماتية تضمن ولاء هذه الدول والمنظمات الأممية، وكل من يحاول تحدي السطوة الأمريكية فإن مصيره سيكون كمصير دول كالعراق وليبيا واليمن وسوريا …وغيرها من الدول التي تدخلت فيها أمريكا بطريقة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة، فأصبحت سياساتها الوطنية والقومية مهددة بالفشل بسبب الأطماع الاستعمارية الأمريكية التي لا تنتهي ومخططاتها الشيطانية التي كانت الهدف منها ولا يزال هو السيطرة على ثروات الشعوب ومقدراتها، إذ تسببت سياسات واشنطن في مقتل 4 ملايين شخص في فيتنام، و75 ألف قتيل في نيكاراغوا، و 300ألاف قتيل في قصف طوكيو، بالإضافة لحوالي 250 ألف قتيل في مجزرة قصف درسدن و 200 ألف قتيل في غواتيمالا و 75ألف قتيل في السلفادور، و 50 ألف قتيل في كولومبيا على يد فرق الموت، و200ألف في تيمور الشرقية، وميلون قتيل في إندونيسيا و60ألف قتيل في كولومبيا….الخ. كما جاء في كتاب ” موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية، الجزء الأول، للباحث حسين سرمك حسن. مثلما ذكر موقع ديوان العرب، بتاريخ 10ماي/أيار 2017م، في مقال بعنوان ( موسوعة جرائم الولايات المتحدة الأمريكية).

ولم تكتفي واشنطن بسياسات القتل والابادة الجماعية والعرقية لملايين البشر، بل عملت أيضاً على تقليل نسبة السكان في 13 دولة نامية، في إطار ما عرف بمذكرة الأمن القومي الأمريكية رقم 200، والتي كانت عبارة عن ورقة بحثية قدمها وزير الخارجية  الأسبق هنري  كسنجر لرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون سنة 1974م، وكانت تستهدف تقليل عدد السكان في 13 دولة نامية، قبل أن تصبح فيما بعد سياسة دولية تخدم مشروع المليار الذهبي ترعاها المنظمات الأممية الدولية، وذلك عن طريق الترويج لسياسة تحديد النسل، واستعمال أساليب وطرق منع الحمل، كالإجهاض وتناول حبوب منع الحمل، وتشريع قوانين تعطي المرأة الحق في الإجهاض الاختياري، بالإضافة لعمليات استئصال الرحم الإجباري، وهي السّياسة التي طبقتها ضدّ النساء البرازيليات، وهو ما أدى للإصابة معظمهن ممن هنّ تحت سن 40 بالعقم الكلي والتالي فقدن قدرتهن على الإنجاب، وهي الفضيحة التي استدعت تشكيل لجان متخصصة من طرف وزارة الصحة البرازيلية، والتي أثبتت تورط المؤسسات الطبية التابعة الولايات المتحدة الأمريكية والعاملة في مختلف المدن البرازيلية في تنفيذ تلك السّياسة العدائية ضدّ الشعب البرازيلي بغية السيطرة على ثرواته الطبيعية وذلك بعد أن كشفت عدة صحف برازيلية محلية منها ” جورنال دو برازيليا”، و ” هو فا دو بوفو”، و ” جورنال دو برازيل” في شهر مايو/أذار 1991م، عن تلك الفضيحة الأمريكية التي كانت لها تداعيات كارثية على انخفاض معدلات الخصوبة لدى النساء البرازيليات، حيث فقدت أكثر من 20 مليون امرأة برازيلية القدرة على الإنجاب بسبب عمليات التعقيم الغير قانونية، كمل أشار لذلك وزير الصحة البرازيلي ” أليسي جويرا”، الذي أكد بأن بلاده بسبب انخفاض معدلات خصوبة النساء فقدت حوالي 30 مليون نسمة، وهو ما كان من شأنه رفع عدد سكان البرازيل لما يقارب 200 مليون نسمة عام 2000م. كما ذكر موقع أرقام الإخباري، بتاريخ 9ماي/أيار 2020م، في مقال بعنوان (خطة ” ان اس اس ام200 ” لماذا عقم الأمريكان نصف الشعب البرازيلي؟).

 

ولم يقتصر الأمر على الدول النامية، أو تلك التي ترفض تطبيق السّياسات الأمريكية بل امتد الأمر حتى لحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية الذين أصبحوا بمثابة فئران تجارب، ومصدر لتمويل خزينة الدولة الأمريكية كأوكرانيا، التي تريد واشنطن إطالة أمد الحرب الروسية على أراضيها لأطول مدة ممكنة، ولا يهمها عدد الضحايا الأوكرانيين الذين سقطوا ما دام أن ذلك يصب في مصلحتها المباشرة، وهذا ما ذكره السيناتور الأمريكي ريتشارد بلاك بكل وضوح، إذ تعتبر هذه الحرب حسب رأيه بمثابة ممول رئيسي لشركات الأسلحة الأمريكية، فهؤلاء لا يهمهم الأوكرانيون أو الروس أو الشعب الأمريكي، ثم هناك عولمة، يسميها ريتشارد بلاك أولاد دافوس، وكل ما يهتم به هؤلاء هو المال والسلطة، وتابع قائلاً ” لا تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون جزءاً من هذا، لكنني أعتقد، كما تعلم، أن هناك صقور حرب في كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أعتقد أن الرئيس الأمريكي جو بايدن موجود في ذلك المعسكر (الصقور)”، وأضاف أعتقد أنه من المعقول تماماً أن الناس في روسيا بعد رؤيتهم كل هذا، يمكن أن يستنتجوا أن الولايات المتحدة مشاركة في الحرب. كما ذكر موقع RTالروسي، بتاريخ 10أفريل/نيسان 2022م، في مقال بعنوان (” سيناتور سابق” صقور  أمريكا و "أولاد دافوس ” يؤججون الحرب في أوكرانيا من المنطقة الرمادية).

فالمجتمع الدولي الذي يصمت على جرائم الولايات المتحدة الأمريكية  المرتكبة في العديد من الدول، وعلى جرائم الكيان الصهيوني في حق الشعب الفلسطيني، عمل منذ سنوات على التضييق واسقاط كل الأنظمة الوطنية، التي تحاول حماية أمنها القومي وبناء نظام عالمي عادل ومتوازن وفق قوانين دولية تكون ملزمة لكل الدول، ولكن يبدو بأن سياسة الكيل بمكيالين مستمرة في السيطرة على مقاليد الأمور في النظام الدولي، ما دام أن شريعة الغاب هي المتحكم في مصائر الدول والشعوب خاصة النامية منها.