لصا أخاك لا بطل‏

‏ من النادر أن تتاح لشخص الفرصة بان يكون بطلا تاريخيا، فالرجال مواقف، ‏ويقول المثل عز نفسك تجدها، وعجبي من أناس أتيحت لهم الفرصة بان يكتبوا في ‏كتب التاريخ لأنفسهم أمجاد عصامية، ويورثوا أبنائهم مفاخر عظامية، ولكن تأبى ‏الدناءة إلا أن تحط أهلها، فبدلا من دخول أبواب التاريخ يدخلوا قفص الاتهام، وبدل ‏أن يسطروا الأمجاد ترفع عليهم الدعاوى، وبدل أن يستريحوا استراحة الشجعان، ‏يقبعوا خلف القضبان.‏
‏ فإن يتورط الموظف أو الفقير أو الجاهل أو المشرد، بقضية سرقة أو اختلاس، ‏تستنفر أجهزة الدولة، وتلقيه في السجن ذليلا مهانا بلا كرامة بعد فعلته الشنيعة، وهنا ‏نقول أن السجن جزاء ما اقترفت يداه من سوء العمل، ولكن إن سرق أو اختلس أو ‏تنفع موظف بمستوى مسئول كبير، فحتما أن سرقته ستكون بمستوى اكبر فإمكانياته ‏أكثر، وسلطته اشمل ونفوذه أوسع، وبذلك فستكون فضيحته اكبر، ومستقبل أولاده ‏من سوء سمعته اسود، مع ذلك سيحظى برفاهية أفضل في سجنه، الذي قد يكون ‏مفتوحا، شرط منع سفرة خارج الأردن، ويكفيه بالأردن سجنا، وقد عتاد التنقل ‏والسفر متمتعا بما جنت بركة يده زمن الخدمة.‏
‏ إن كنا نرى كل يوم مسئول يُقدم للتحقيق معه بقضايا تنفع أو استغلال السلطة أو ‏تبييض أموال أو هدر لموارد الدولة، فهذا إن دل على شيء فإنما يدل على إن بيتنا ‏اوهن من بيت العنكبوت، وان أجهزة الرقابة في الأجهزة الحكومية قاصرة عن القيام ‏بواجباتها، إما لضعف أعضائها أو لأنهم شركاء من غير نفع في كل ما يحدث من ‏فوضى، فأين الرقابة عن هذه القضايا التي لم يكن يجرؤ احد بالحديث عنها لولا ‏غليان الشارع والمسيرات الاحتجاجية التي انطلقت منذ عام، ولا زالت تطالب بفتح ‏ملفات قد تطيح برجالات تقلدت إدارة حكومات وكانت تمسك بمصير الأردن وأهله.‏
‏ نعم بعض المستهدفين ممن كانوا يعتبرون رجالات الوطن الشرفاء، والتي تدور ‏الألسن المطالبة بالإصلاح ومحاسبة الفاسدين، بالحديث عن سرقاتهم وفنونهم في ‏جرف أموال الدولة لجيوبهم، أقوى من الوطن ومن رجالات الوطن الشرفاء، وأقوى ‏من مؤسسات الدولة المخترقة من قبل تلك الفئة التي عرفت كيف تنخر في جسم ‏الدولة، وكيف تزرع لها رجالات تخدم مصالحها، وقبل أن تسأل مثل من، أخاف أن ‏ينطبق علينا المثل القائل يرى الزول ويرجع للأثر.‏
‏ الأردن ليس جمل المحامل كما نعتقد، ولكن من الممكن أن يكون كدودة الأرض، ‏إن انقسمت جزئين ممكن أن يعيش كل جزء على حدا، فنحن نتوهم بأننا أقوياء ‏ونمتلك الكفاءات والخبرات المؤهلة، والواقع إننا أكثر المجتمعات التي تتكيف مع ‏الفساد ونجد له أعذار ومسوغات وندافع عن المفسدين، ونرى اسواء أعمالهم خير ‏للبلد وأهله وذلك بالدفاع عنهم بثمن وبغير ثمن، فطيبتنا وتسامحنا اكبر أسباب ضعفنا ‏التي تفنن تجار الوطن باستغلالها فكان يخدعنا بمشروعات وطنية يطلقها لنتغنى بها ‏ويحصد هو ما يرصد لها من ميزانية.‏

kayedrkibat@gmail.com