إعادة فتح ملف لوكربي ابتزاز امريكي غير مبرر
أخبار البلد ــ بعد مرور اكثر من 34 عام على اغلاق ملف قضية لوكربي وتسويتها عقب دفع النظام السابق برئاسة الراحل معمر القذافي عشرات المليارات من الدولارات كتعويضات مالية لعائلات الضحايا الا اننا نجد تعود واشنطن تعيد مطالبة حكومة الوحدة في طرابلس التي يرأسها عبدالحميد الدبيبة بتسليمها المواطن الليبي بوعجيلة محمد مسعود 71 عام المولود في تونس وهو المتهم الأخير الذي ما زال على قيد الحياة.
بوعجيلة مسعود كان مسؤول سابق في الاستخبارات الليبية سجن بعد سقوط نظام القذافي وذلك بعد إدانته بعدة تهم لا علاقة لها بمسألة لوكربي كما وجهت اليه في الولايات المتحدة تهم ارتكاب جرائم تتعلق بالإرهاب لكن المسؤولون الأميركيون لا زالوا يزعمون أنه ساعد في تصنيع القنبلة التي أسقطت الطائرة الامريكية في اسكتلندا.
عند الساعة الواحدة والنصف تقريباً بعد منتصف الليل من يوم 16 نوفمبر الماضي خطف بوعجيلة من منزله في منطقة بوسليم بطرابلس من قبل ميليشيات مسلحة كانت ترتدي اللباس المدني وتم اقتياده إلى مكان مجهول وقد شاعت معلومات بأنه خطف من قبل ميليشيات تابعة لعبد الغني الككلي القيادي العسكري الموالي لحكومة الدبيبة رغم التعتيم الكثيف على الحادث.
قضية بو عجيلة مسعود ليست جديدة فقبل مغادرة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب البيت الأبيض أثار المدعي العام في عهده وليام بار أمراً يتعلق بقضية لوكربي وطالب السلطات الليبية بتسليمه وفي 21 ديسمبر 2020 في الذكرى 32 للحادثة أعلن القضاء الأميركي توجيه الاتهام له لعلاقته بصناعة القنبلة التي انفجرت داخل الطائرة وأدت إلى سقوطها.
بعد طول انتظار وترقب وانتشار الإشاعات في معظم ليبيا في الأسابيع الماضية اكدت الولايات المتحدة الامريكية رسمياً عن تسلمها المتهم الليبي الأخير في قضية لوكربي بو عجيلة محمد مسعود من حكومة الوحدة في طرابلس بعد اختفائه بشكل غامض لمحاكمته على أراضيها وهو ما يعني حكما اعادة فتح هذا الملف من جديد بعدما أقفل باتفاق رسمي بين واشنطن وطرابلس وقد عبرت قبيلة المريمي التي ينتمي إليها بوعجيلة عن استهجانها من تسليم حكومة الوحدة الليبية لابنها وطالبت البرلمان والمسؤولين في ليبيا بمحاسبتها.
حادثة لوكربي تعود لـ 21 ديسمبر عام 1988عندما اتهمت ليبيا بإسقاط طائرة ركاب أميركية تابعة لشركة طيران بان أميركان في الرحلة 103 التي كانت متوجهة إلى نيويورك وبعد 38 دقيقة من إقلاعها من لندن انفجرت الطائرة ما أدى إلى سقوط هيكلها في بلدة لوكربي في اسكتلندا وقد أسفر التفجير حينها عن مقتل 259 شخص بينهم 190 أميركي كانوا على متن الطائرة إضافة إلى 11 شخصاً كانوا على الأرض.
حيث تم تحميل ليبيا وقتها المسؤولية عن تفجير الطائرة واتهم دبلوماسيين ليبيين بتدبير الحادث بشكل رئيس هما ( لامين خليفة فحيمة وعبدالباسط علي محمد المقرحي ) الوحيد الذي ادين عام 2001على خلفية التفجير حيث امضى سبع سنوات في سجن اسكتلندي وفي عام 2009 تم الإفراج عنه لأسباب صحية بعد إصابته بسرطان البروستات وقد توفي في ليبيا عام 2012 ولطالما كان يدفع ببراءته ويؤكد أن الحكم عليه كان سياسي وليس قضائي.
لاحقا وبعد إجراء مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي " أف بي آي " تحقيق مشترك دام ثلاث سنوات طال الاتهام بوعجيلة مسعود بالمشاركة في التخطيط للعملية ثم فرضت عقوبات اقتصادية وسياسية قاسية على ليبيا لمدة 10 سنوات ما اضطرها إلى دفع تعويضات كبيرة لعائلات الضحايا لإغلاق الملف بشكل نهائي من الناحيتين السياسية والقانونية وتعهد أمريكا بتوفير الحصانة السيادية والدبلوماسية لليبيا وأن تكون الممتلكات الليبية والأفراد الليبيين المعنيين في مأمن من الحجز أو أي إجراء قضائي آخر.
الدولة الليبية زمن النظام السابق احتياطا تمسكت خلال مباحثات التسوية بحصر مسؤوليتها عن أفعال مواطنيها في الجانب المدني دون المسؤولية الجنائية وذلك بحسب نص الاتفاقية التي ابرمت آنذاك بين ليبيا والولايات المتحدة في 14 / 8 / 2008 وقد تم التصديق عليها من السلطات المتخصصة في البلدين والتي شملت ايضا عدم احقية اي مطالبات مالية او قانونية أمريكية بعد التوقيع عليها.
لدى مثول أبو عجيلة أمام القاضية الفيدرالية في محكمة بواشنطن في جلسة استماع مقتضبة أُبلغ بالتهم الموجهة إليه ومن بينها تدمير طائرة أوقع قتلى لكن على الرغم من خطورة هذه التهم فإن مسعود لا يواجه خطر الإعدام لأن هذه العقوبة لم تكن مطبقة على الصعيد الفيدرالي في الولايات المتحدة في 1998 في ما يتعلق بالتهم الموجهة إليه.
المدعي العام الليبي والمجلس الأعلى للدولة والعديد من السياسيين والحقوقيين والشخصيات الوطنية اثاروا جملة من التساؤلات حول ماهية الإجراءات القانونية التي تم تسليم المواطن الليبي المختطف أبو عجيلة عليها وهل طلب المدعي العام الأميركي تسليمه ولماذا لم يطلب تسليمه من قبل أسوة بالراحل عبدالباسط المقرحي والأمين فحيمة وهل ظهرت أدلة جديدة بعد تسوية ملف قضية لوكربي في عام 2008 وما الغاية من تسليمه الان بعد مضي هذه السنين الطوال على حدوث الواقعة.
كما استفسروا عن موقف القضاء الامريكي من اتفاقية التسوية بين الدولتين التي تنص على إسقاط جميع القضايا بشأن هذه الواقعة وعدم قبول أي دعاوى جديدة بشأنها أمام المحاكم الأميركية سواء ضد الدولة الليبية أو مؤسساتها أو رعاياها من الأشخاص الطبيعيين.
كثيرون اكدوا ان تسليم المواطن بوعجيلة مسعود المريمي إلى أميركا تحوم خلفه شبهة صفقة مشتركة بين حكومة الدبيبة وواشنطن خاصة بعد التصريحات الأخيرة للسفير الأميركي وحكومة بلاده التي اثنت على حكومة الدبيبة وغيرت موقفها منها 180 درجة في الآونة الأخيرة كما اعتبروا ما جرى تصرف غير المسؤول يشكل علامة سوداء فارقة في تاريخ السياسة الداخلية والخارجية الليبية بعدما دفعت ليبيا مليارات الدولارات لطي صفحتها.
في ظل الفوضى الأمنية والسياسية وحالة عدم الاستقرار التي تعيش فيها ليبيا هنالك اطراف سياسية وحزبية استغلت حالة الارتباك والانقسام من أجل إعادة فتح ملف القضية كاستثمار سياسي وبما يؤدي إلى اجبار ليبيا على دفع تعويضات جديدة لذوي الضحايا ودولهم.
امام هذه الغطرسة الامريكية المتجددة ولمواجهة سعيها الحثيث للاستغلال والابتزاز ينبغي على الدولة الليبية رفع دعوى ضد واشنطن أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي لتفسير نص معاهدة التسوية التي تمنع ملاحقة أشخاص آخرين في قضية لوكربي خاصة وأن الاتفاق تم التصديق عليها من الكونغرس الأميركي والرئيس بوش الابن وجرى إيداع نسخة منه لدى الأمم المتحدة وفي ذات الوقت يتوجب تكاتف وتعاون الوطنيين الليبيين والكيانات السياسية المختلفة لعدم قبول اثارت القضية من جديد او العودة إليها تحت أي ظروف واحوال.
mahdimubarak@gmail.com