النهضة العربية (أرض) تعقد مؤتمراً دولياً حول الخيارات السياسية للقضية الفلسطينية في عصر التحولات

أخبار البلد - عمان- فيما لا تزال القضية الفلسطينية القضية المركزية في الأردن، وبينما فرضت التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم -ومن ضمنها الأزمة المالية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)- ضغوطات غير مسبوقة على الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية في الأردن وفلسطين معاً، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، ضمن برنامج القضية الفلسطينية مؤتمرها الدولي "إعادة التفكير في القضية الفلسطينية: الخيارات السياسية في عصر التحولات"، تزامناً مع الذكرى الخامسة والسبعين لقرار الأمم المتحدة بالتقسيم، بمشاركة خبراء في الشأنين الأردني والفلسطيني للتداول في هذه القضايا والنظر فيها.

وفي كلمته الترحيبية؛ أوضح رئيس مجلس أمناء منظمة النهضة (أرض)، ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية، أ.د. زيد عيادات، أن لفهم التغيرات والتحولات السياسية التي تمس القضية الفلسطينية، علينا أن نفهم أن هناك مقاربات قديمة تستحكم في تحليل وتفسير السياسية الدولية، يعتري تلك المقاربات وهن منهجي بنيوي، حيث فشلت في تفسير تلك التحولات الدولية وانعكاساتها على الدول، وهو الأمر الذي يهدد مصالح الأمم الوجودية والفكرية والسياسية.

وبحسبه، علينا أن ننظر من منطلق حداثي يراعي التطورات لفهم السياقات السياسية، مشيراً إلى أن المسألة الفلسطينية على أعتاب تغيير جذري، ولذلك من المهم أن نتسلح بالعلم الحديث وطرح حلول وسياسات مستقبلية لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية، سواء ما اتصل منها بالحرم القدسي والتهويد، أو الأرض الفلسطينية.

من جهته، قال مدير برنامج القضية الفلسطينية بمنظمة النهضة (أرض)، د. ليكس تاكنبرغ، إن "فلسطين تمر في حالة تحول كبير، مع التطورات التي شهدتها الساحة الإسرائيلية وصعود اليمين المتطرف لسدة الحكم، بالإضافة لوجود أكثر من 6 مليون لاجئ محرومون من حق العودة يجب إعادة التفكير في مفهوم تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، في ظل توفر تقارير كثيرة تدين إسرائيل بتهمة الاستعمار وتجريمها بارتكاب الفصل العنصر، مؤكداً أن إسرائيل تستثمر مئات الملايين لمحاربة المنظمات الحقوقية والمدنية والصحافة الحرة التي تكشف إجرامها واعتداءاتها المستمرة بحق الفلسطينيين.

وفي الكلمة الرئيسة للمؤتمر، اعتبرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، أن هناك حاجة لتغير الصورة النمطية عند تفكيرنا في القضية الفلسطينية، وخاصة مع وجود عنف ممنهج وكثير من الانتهاكات تستهدف المدنيين، إضافة إلى الكثير من العقوبات الجماعية التي تخالف حقوق الإنسان.

ودعت ألبانيز التي منعتها إسرائيل، الفترة الماضية، من دخول فلسطين مؤخرا لمنعها عن الإبلاغ الأوضاع هناك، بعد تقريرها الذي كان له صدى دولي كبير، إلى ضرورة إعادة ضبط الذهنية والتفكير بزوايا جديدة بما يتعلق بالشأن الفلسطيني، مع أهمية العمل على تطوير استراتيجية طويلة المدى بما يخص اللاجئين والتأكيد أن حق العودة لا يمنعهم من التمتع بحقوقهم الإنسانية الأخرى وتحسين أوضاعهم.

واشتمل المؤتمر على جلستين، الأولى بعنوان " 75 سنة بعد التقسيم: نحو نموذج جديد؟" والثانية بعنوان "المسجد الأقصى/ الحرم الشريف: تحديات الوضع الراهن"، وتناولت الجلسة الأولى التطورات ذات الصلة فيما يتعلق بقضية فلسطين، بما في ذلك تلك المؤثرة على الأردن وفلسطين، حيث أشار مدير الجلسة، د. عمر الرفاعي، إلى أن الوقت مناسب للوصول إلى طرق مناسبة لدراسة أوضاع الفلسطينيين تحت الاحتلال. وفي الحديث عن العنف والانتخابات والمصالحة الفلسطينية، قال مدير مركز القدس للدراسات السياسية، عريب الرنتاوي إن قيام دولة فلسطين مصلحة وطنية عليا للأردن، حيث يتفرع من هذه المصلحة قضايا وأبعاد عدة كالبعد الاقتصادي والسياسي والأمني.

وأوضح الرنتاوي أننا نحن أمام فاشية كارهة للعرب والفلسطينيين، فإسرائيل اليوم تذهب بعيداً في تطرفها العنصري، ورهانات الأمس سقطت تباعاً اليوم، مبيناً أن المصالح الأردنية تضررت بحالة الانقسام والتي ساهمت في تعطيل وإرجاء قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وفيما يخص اللاجئين الفلسطينيين والأونروا، بينت د. كچيرستى بيرغ من معهد كريستيان ميشلسن النرويجي، أن أزمة اللجوء الفلسطيني هي الأكبر على مستوى العالم، حيث يواجه اللاجئون في المخيمات مشاكل مثل انعدام الأمن الغذائي والفقر والبطالة وتدهور الوضع الصحي، لافتة إلى أن اللاجئين باتوا يشعرون بتراجع نوعية الخدمات المقدمة من الأونروا، مما يشكل خوف كبير مستقبلاً.  

وفي البحث عن إطار مفاهيمي جديد للقضية الفلسطينية، أكد الأكاديمي الفلسطيني البروفيسور بشير بشير، أن جميع المصطلحات التي هيمنت على حوارنا السياسي خلال العقود الماضية تحتاج إلى فهم جديد، وأن نطلق الخيال لعكس الواقع الذي نعيش فيه، معتبراً أنه حان الوقت تسمية إسرائيل بـ "الاستعمار الفاشي"، وأن نفكر بكيفية بناء وتقييم وتشخيص سياقات التحول السريع لقضايا الشعب الفلسطيني وارتباطها بشكل مباشر في عمق الوطن العربي.  

وسعت الجلسة الثانية التي أدارتها، د. مريم أبو سمرة، مسؤولة الأبحاث في مركز النهضة الفكري، لاستكشاف التوغلات المتزايدة في المسجد الأقصى ومجمع الحرم الشريف. وفي نظرة عامة للتطورات الأخيرة، بين مسؤول المناصرة الدولية في مركز العمل المجتمعي بجامعة القدس، منير مرجية، أن هناك خلال العام الماضي وهذا العام تعرض الحرم المقدسي الشريف لأكثر من 30 ألف اعتداء، لافتا إلى أن سياسة التضييق على التجمعات السكانية تتخطى الضفة العربية وقطاع غزة، لتطال الفلسطينيين في البلدات والقرى داخل إسرائيل.

وبشأن القدس في عيون القانون الدولي، أكد أستاذ القانون المساعد بجامعة القدس، د. منير نسيبة، أهمية القانون الدولي عند تفكيرنا في الحلول مستقبلاً، معتبراً أن "القانون الدولي ليس معنا ولا ضدنا، ومشكلتنا مرتبطة في السياسة الدولية، التي ما تزال تحيد بنظرها عن الإجرام الإسرائيلي". بينما تحدث المحامي الدولي ومؤسس كتاب فلسطين السنوي للقانون الدولي، د. أنيس القاسم، حول وقائع إقامة دولة فلسطين دعوى في سجلات المحكمة الدولية، بعد أن نقلت الإدارة الأمريكية سفارتها من تل أبيب إلى القدس في 14 أيار عام 2018.

أما فيما يتعلق بدور الأردن الخاص بالأماكن المقدسة في القدس تحدث المستشار في مركز النهضة الفكري، قائلًا إن "الوصاية الهاشمية على المقدسات تركز على حماية المواقع الإسلامية منذ عام 1924، خلال فترة حكم الشريف الحسين بن علي"، مبيناً أن الأردن احتفظ بحقه في الإشراف على الشؤون الدينية في القدس بموجب اتفاقية "وادي عربة" لكن الوضع الآن بات مقلقاً فيما يخص الضغوطات والتحركات الأخيرة، مما يتطلب الالتفات الجدي للموضوع من قبل المعنيين.

وفي استعراضه للملاحظات الختامية للمؤتمر، أوصى الخبير الاقتصادي والوزير السابق للشؤون الاقتصادية، د. يوسف منصور، بضرورة إعطاء الشعب الفلسطيني حقوقه في الحديث عن نفسه وإيصال صوته للعالم، إضافة إلى دور المؤسسات المدنية والتنموية والتعليمية والسياسية في توعية وإرشاد الفلسطينيين لمجابهة الاحتلال وأدواته القمعية.

 كما جرى التأكيد على أهمية مواجهة الاحتلال بالأدوات الممكنة، والتمييز بين إرادة الحكومات وإرادة الشعوب التي ليس شرطاً أن تكون متوافقة مع حكوماتها، إلى جانب أهمية التفكير باستراتيجيات وتوافقات مستقبلية ليتمتع الفلسطينيين بحقوقهم الشرعية وأولها حق العودة، وأيضاَ تقديم كافة أشكال الدعم للاجئين الفلسطينيين في كافة أنحاء العالم لتحسين أوضاعهم، وتعزيز الدور المؤسسي مقابل الجهود الفردية نظراً للمتطلبات القانونية والسياسية والرسمية والتي لا بد من إيجاد الكفاءات والموارد والعمل التراكمي للتصدي لها، وصولاً لمواصلة الجهود مع كافة الجهات المعنية واستخدام الأدوات القانونية وغيرها من السبل نحو عودة اللاجئين، وتحسين أوضاعهم والوصول إلى حل عادل للقضية الفلسطينية.