بهجت ابو غربية

تجسد بشري لمجموعة قيم نادرة , بلغت به الصلابة حد الهدوء المطلق , هدوء المحيطات الكبرى التي لا تعرف امواج البحار الصغيرة. قيم, وطنية اخلاقية وانسانية , تجاوزت صفة الثوابت الى المسلمات. 

شيخ المناضلين , المناضلين لاجل القدس التي اخر احتلالها عشرين سنة, المناضلين لاجل فلسطين التي ترك لاجيالها نموذحا حيا في زمن سقوط النماذج , والمناضلين لاجل قضية الامة كما الندرة من القوميين الذين يظلون هم هم تحت القشرة الاولى والثانية والثالثة حتى خلايا النخاع الشوكي, دون ارتدادات ودون ردات. 

خمس وتسعون , وقد ذهب الشيخ مبكرا, ومبكرا جدا, لان العمر يقاس بالحاجة وبالفائدة وبفعل الحياة , فكم من احياء موتى ليتهم وهبوه عمرهم, لنجده امامنا وفيروسات الدمار تفتك بكل شيء , بوطنيتنا , بقوميتنا, بانسانيتنا, في زمن الردة الكبرى نحو كل ما هو تجزيئي وزمن الزحمة الكبيرة في المزاد العلني على الوطن وقضاياه وقيمه. 

كم نحتاجه ونحن نواجه كل انواع المؤامرات على اجزاء الوطن المدعوة للتحول الى جزيئات, بما يؤمن تصفية كلية للقضية الكبرى . ولكن حاجتنا له لا تنتظر فقط وجوده المادي بيننا , فمعرفته وسيرته وسلوكه تبقى نموذجا للمقتدي ,وعلاجا للمريض, وتاكيدا للقوي وتمتينا للضعيف. 

نحتاجهم هؤلاء الذين شكلوا تجسيدا كاملا للنزاهة بكل معانيها المادية والروحية, وللايمان الذي لا تهزه الانتكاسات والويلات مهما بلغت سرعة رياحها , هؤلاء الذين يعملون بصمت المؤمن وعناد الرائي ووعي المتبحر فطرة وتعلما.

أذكر يوم نشرت كتاب " ارهابيو اسرائيل : عن الموسوعة الفلسطينية , وفيه خمسمئة وثيقة مصورة عن ارهاب اللوبي الصهيوني وهيمنته في اوروبا وامريكا انه اتصل بي قائلا: عافاك الله, على هذا العمل الهام , ولكن اتمنى لو انكم لا تتوسعون في توزيعه . وعندما سالته عن السبب قال : لان ذلك ينفع المختصين والاستراتيجين كي يعرفوا كيف يضعون خططهم وكيف يتعاملون مع الحالة , اما العامة فقد يؤثر فيهم ذلك بشكل سلبي وقد يضعف معنويات ضعاف الايمان وناقصي الوعي ويصب في حالة التيئيس التي تشكل فقرة جوهرية في ستراتيجية عدونا . الم تترجمي جدار الفولاذ حيث يقول جابوتنسكي : سيبقى هؤلاء العرب الفلسطينيون يقاتلوننا كما يقاتل كل السكان الاصليين المحتل الى ان نتمكن من القضاء على اخر بارقة امل لديهم ? 

ملاحظة ستراتيجية عميقة , ومعرفة خبير دولي في الحرب السيكولوجية, وادراك استثنائي لجوهر الرهان التاريخي في قضية تاريخية بامتياز , وتعامل قائد لا يحمل الرتب والالقاب الرسمية , وانما يحمل في وجدانه مسؤوليته عن الجميع, حتى الضعفاء, ليجعلهم اقوى لا ليستقوي عليهم وبهم ويجعلهم يقبلون يده ويحملون سيارته. بل ليجعل منهم جنودا يقفون معه لحراسة الامل والعمل لاجله. 

بالالاف كنا نبكيه ونفتقده ونقول له ان الوطن لم يخل من تلامذته , من الذين تمثلوا تجربته حتى وان لم يطاولوها,والا لكنا نقول لابي سامي ان نضاله ذهب عبثا , الا انه كان من اولئك القادة الكبار الذين يعرفون ان الامل لا يعرف المهل الزمنية. من اولئك الذين منهم انطون سعادة القائل: لو انفض عني جميع القوميين الاجتماعيين لدعوت الى النضال اجيالا لم تولد بعد! وعندما وصلت صوت دعوته الى سناء محيدلي ادركنا كم كان على حق. وهكذا ستبقى سيرة بهجت ابو غربية دعوة قائمة ونموذجا جاهزا لكل فلسطيني وعربي ما زالت نطفته في ضمير الله.