السّعودية والصّين لواشنطن: الشركاء كثر والخيارات مُتاحة!
أخبار البلد - لا يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية التي تبدأ اليوم، بمعزل عن التوتر بين المملكة وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. ومع ذلك، تكتسب الزيارة بذاتها أبعاداً مهمة، تندرج في إطار المتغيرات التي تشهدها المنطقة والعملاق الآسيوي على السواء.
وتعكس زيارة شي لأكبر منتج للنفط في العالم، وهي الأولى له لهذه الدولة منذ 2016، الاختراق المتزايد لبكين في منطقة تعتبر شريكاً تقليدياً لواشنطن، وتشهد تحولات سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة، وتتحرك دبلوماسيتها نحو تنويع شراكاتها وبناء سياسات أكثر استقلالاً عن الغرب. وهي تأتي في وقت وصلت العلاقات الأميركية السعودية إلى أدنى مستوياتها، وألغى الجانبان اجتماعات للتنسيق الأمني، منذ رفضت الرياض طلب الإدارة الأميركية زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار.
وتنعقد خلال الزيارة ثلاث قمم، سعودية - صينية، وخليجية - صينية، وعربية - صينية، بحضور أكثر من 30 زعيم دولة ومنظمة دولية، وسيتم على هامش القمة السعودية الصينية توقيع أكثر من 20 اتفاقية أولية بقيمة تتجاوز 110 مليارات ريال، إضافة إلى توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين المملكة والصين، وخطة المواءمة بين رؤية المملكة 2030، ومبادرة الحزام والطريق، كما سيُعلن عن إطلاق جائزة الأمير محمد بن سلمان للتعاون الثقافي بين السعودية والصين.
ومع جدول أعمال كهذا، من البديهي أن تكون الزيارة محور اهتمام الغرب والشرق معاً منذ أن تطأ قدما شي أرض المملكة. واستبق محللون وصوله المرتقب باجراء مقارنة بين زيارته والزيارة التي قام بها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب للسعودية عام 2017 في أول رحلة خارجية له، عندما زُينت الشوارع بأعلام الولايات المتحدة ورُفعت صورة كبيرة له على أحد المباني.
الاستقبال والاتفاقات
ومع أن الرئيس الأميركي جو بايدن زار السعودية الصيف الماضي، يتوقع أن يكون الاستقبال للضيف الصيني أكثر حفاوة.
ويقول الباحث في مؤسسة الرأي RSIS رافاييلو بانتوتشي، إن ما يجب التركيز عليه خلال الزيارة هو الحفاوة والسخاء اللذان سيستقبل بهما السعوديون الضيف الصيني. "شي ليس من النوع الرجال الميالين إلى مصافحات بالقبضة" في إشارة إلى المصافحة بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مضيفاً: "أعتقد أننا سنشهد استقبالاً حاراً، ويجب أن نتابع حجم الاتفاقات التي ستُوقع بين الجانبين".
رسمياً، ترمي الزيارة إلى تعميق علاقات الصين مع دول الخليج التي تعود إلى عقود، والتي بدأت نفطية وتطورت مذّاك إلى علاقات أكثر تشابكاً تشمل بيع أسلحة ومشاريع بنى تحتية ونقل تكنولوجيا، وأثارت توتر واشنطن.
وبرأي بانتوتشي، فإن مسألة الطاقة ستكون "ملفاً رئيسياً جداً جداً" في الاجتماعات بين شي والسعوديين والخليجيين. ويقول: "تراهن الصين على الهيدروكربونات على المدى البعيد. فقد وقعت مع "قطر للطاقة" اتفاقية مدتها 27 عاماً لإمداد شركة سينوبك الصينية بالغاز الطبيعي المسال هي الأطول من نوعها في تاريخ صفقات الغاز الطبيعي المسال، في الوقت الذي يتحدث الغرب عن مساع للتحول إلى موارد بديلة أو الطاقة المتجددة. وهذه المنطقة غنية بالهيدروكربونات، وتريد الصين أن تضمن لنفسها كميات من هذه الموارد".
"لدينا خيارات"
ومع الطاقة، لا يمكن إغفال الجانب السياسي المهم للزيارة التي تاتي في ذورة التوتر الأميركي - السعودي من جهة، وضغوط واشنطن على بكين في مسألة تايوان، وآخرها ما أوردته وكالة "بلومبرغ" عن أن إدارة بايدن أخطرت الكونغرس بصفقة لبيع نحو 100 من صواريخ باتريوت الأكثر تقدماً لتايوان، مشيرة إلى أن قيمة الصفقة بلغت نحو 882 مليون دولار.
ويقول بانتوتشي إن الجانبين سيوجهان رسائل عبر هذه الزيارة. فبالنسبة إلى الصين "سيظهر شي للعالم والداخل أن محاولة الغرب عزل بكين ليس مهماً، وأن لدينا خيارات، وأن كل هذه القوى الكبرى تريد الانخراط معنا".
وقبل السعودية، زار شي منذ رفع الحظر الذي فرضه فيروس كورونا، آسيا الوسطى ومنظمة تعاون شنغهاي ومجموعة العشرين.
أما للسعودية، الدولة التي تشهد نهضة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، وفي ظل الاهتمام العالمي بالتوتر بينها وبين واشنطن، وخصوصاً منذ رفض الرياض زيادة إنتاج النفط لخفض الأسعار، "ستكون مناسبة لتقول للغرب أن خياراتها واسعة، وأن ثمة قوى دولية كثيرة على الساحة الدولية" تتطلع لعلاقات وثيقة معها.
ومع ذلك، يحذر مراقبون من الذهاب بعيداً في الحديث عن تبديل الشركاء، سواء بالنسبة إلى الصين أم إلى السعودية.
وفي هذا الإطار، يقول الباحث السعودي في مركز بلفر في هارفرد والزميل البارز في "معهد هدسون" إنه "خيالي" التفكير في أن السعودية يمكن أن تستبدل الولايات المتحدة بالصين. إلا أنه لفت إلى أن دور الصين ينمو نمواً لا يمكن إنكاره، ما يدفع الدول إلى إعادة هيكلة علاقاتها.
وفي السياق نفسه، يقول بانتوتشي إن السعوديين يعتمدون جداً على أميركا في الأمن، وللتعامل مع هاجسهم الأمني الأول، وهو إيران. ولا يمكن الصينيون المساعدة في ذلك، لكونهم أكثر تشابكاً مع طهران.
وهل تكون الزيارة خطوة أخرى في توسع منظمة شنغهاي للتعاون في الشرق الأوسط، قال: "لن نتفاجأ إذا رأينا دولاً مثل السعودية ودولاً خليجية أخرى، الأرجح الإمارات، تقرر الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تقدم نفسها على أنها منظمة مفتوحة. هذه طريق طويلة ولكنها ليست بعيدة الاحتمال. ويمكن أن تقرر السعودية السير في هذا الاتجاه".
وفي ظل المتغيرات الدولية التي بدأت مع الانسحاب الأميركي المتردد من المنطقة، وكرّستها حرب أوكرانيا، بدأت ترتسم خريطة جديدة للعلاقات الدولية وتحاول الصين جس النبض لمد نفوذها.
ويقول بانتوتشي: "سواء لتعزيز العلاقات بين الصين والسعودية أو احتمال انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي، أرى نوعاً من مواقف تتخذها الدول أكثر منها تموضعاً. تسعى هذه القوى إلى القول إن ثمة هيكليات بديلة في العالم اليوم، ومنظمة شنغهاي للتعاون هي إحداها".
و"منظمة شنغهاي للتعاون" هي منظمة حكومية دولية تأسست في شنغهاي في 15 حزيران (يونيو) 2001 وتضم 8 دول أعضاء هي أوزبكستان وباكستان وروسيا والصين وطاجيكستان وقيرغيزستان وكازاخستان والهند، فيما وقعت إيران على مذكرة انضمام للمنظمة.
كذلك، تضم المنظمة 4 دول مراقبة أبدت الرغبة في الحصول على العضوية الكاملة هي أفغانستان وإيران وبيلاروسيا، ومنغوليا، و6 شركاء حوار هم أرمينيا وأذربيجان وتركيا وسريلانكا وكمبوديا ونيبال، قبل ضم الإمارات والكويت وميانمار، بالإضافة إلى مصر التي وقعت في سمرقند بأيلول (سبتمبر) مذكرة الانضمام للمنظمة.