لماذا لم تستهدف ايران العمق الإسرائيلي ؟

أخبار البلد ــ على الرغم من تكرار العمليات السرية الإسرائيلية التي طالت منذ عام 2007 خمس علماء نوويين ايرانيين كان اخرهم العالم النووي البارز محسن فخري زاده عام 2020، حيث كان الرد الإيراني على اغتياله استهداف سفينة إسرائيلية في خليج عُمان وكذلك اغتال جهاز الموساد بواسطة عملائه بعض الخبراء والمهندسين والقادة العسكريين الإيرانيين مثل العقيد حسن صياد خداي الذي قتل في أيار الماضي امام منزله وسط العاصمة طهران وقد كان العملاء وراء الانفجار الكبير والغامض في المركز الإيراني لأجهزة الطرد المركزي النووية في نطنز في واحد من أكثر المواقع تحصينا في إيران.

كما تمكن الجواسيس والعملاء من الولوج إلى مركز الأرشيف النووي الإيراني السري ونقله كاملا إلى تل أبيب بالتزامن مع سلسلة تفجيرات محيرة طالت محطات طاقة ومرافق حيوية هامة وجهت طهران أصابع الاتهام فيها إلى إسرائيل بالإضافة شن الطيران الاسرائيلي العديد من الهجمات على مواقع تابعة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في سوريا أوقعت بعض القتلى حيث اعلن الحرس الثوري الإيراني في 9/3/2022 مقتل اثنين من ضباطه في الغارة الإسرائيلية على مواقع قرب دمشق كما استهدفت إسرائيل مرات عديدة مواقع عسكرية ايرانية من بينها مصنع للطائرات المسيّرة في ضواحي العاصمة السورية بهدف عرقلة خطط طهران في اقامة قواعد على مقربة من إسرائيل تحوي أسلحة نوعية ومتطورة.

لقد اصبح الإعلان عن تنفيذ عمليات اسرائيلية ضد أهداف وخبراء إيرانيين أمر متكرر بشكل شبه يومي ناهيك عن تهديدات تل ابيب المتواصلة بمهاجمة طهران وضرب المشاريع النووية والمواقع الاستراتيجية والمساعدة في تثوير الاحتجاجات الداخلية في وقت تكتفي فيه طهران بالتأكيد أنها سترد على كل ذلك.

ايران تمتلك أحد أكبر برامج الصواريخ البالستية والمُجنحة في الشرق الأوسط حيث يصل مداها إلى 2000 كم وهي قادرة على الوصول إلى عمق إسرائيل مع العلم أن إسرائيل تقع على مسافة أقل من ألف كيلومتر عن حدود إيران الغربية وجميع وحدات الجيش الايراني مجهزة بمعدات دقيقة وبعيدة المدى ولديها طائرات مسيرة من نوع " كمان 2 " يمكنها أن تطير إلى مسافةِ 3000 كم ويصعب رصدها وهي قادرة على إصابة أهدافها بدقّة عالية.

قبل شهور قليلة أرسلت طهران عبر دولة أوروبية صورا وخرائط لمنشآت إسرائيلية سرية التقطت من مسافة قريبة وليس عبر الأقمار الاصطناعية كمؤشر واضح لاختراق امنها والقدرة على تنفيذ عمليات عسكرية ضدها كما قامت عدة مرات باستهداف المنشآت الإسرائيلية الحساسة بالوسائل السيبرانية واختراق هاتف زوجة رئيس الموساد وعدة مواقع حكومية أدت الهجمات الى توقفها لمدة 57 دقيقة وقد تمكنت عناصر الحرس الثوري الإيراني من تصفية بعض عناصر الاحتلال ومحاولة خطف اخرين كما حصل في تركيا مؤخرا وذلك ردا على الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة.

السؤال الكبير الذي بات مطروحا في طهران وخارجها لماذا لا ترد إيران بالمثل علی اغتيال قياداتها وعمليات الاستهداف المتكررة لمصالحها وتنتقل حربها من التهديد إلى الرد العلني على إسرائيل الى داخل اراضيها والى متى ستبقى تعتمد ايران على حلفائها الإقليميين لرمي شرارة الحرب نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة وتقف هي صامتة وتكتفي بالهجمات البحرية أو السيبرانية على المواقع والشبكات الإسرائيلية هنا وهنالك.

الكثير من المراقبون يفكرون بحيرة واستغراب هل تنتظر ايران قيام إسرائيل بعمل عسكري ضد منشآتها النووية حتى تنهمر الصواريخ والمسيرات على تل ابيب وماذا ستفعل طهران بعد محاولة تل ابيب الاقتراب اكثر من حدودها وإعلان رغبتها في نشر منظومات رادار متقدمة في بعض الدول الخليجية والتي لن تكون طهران بمنأى عن تداعياتها الاقليمية والعسكرية.

بالتأكيد هنالك حرب أمنية واسعة تجري في الخفاء وبعيدا عن الاضواء بين الخصمين اللدودين لا يتبنى فيها أي منهما ولا ينفي قيامه بالعمليات الموجهة ضد الاخر باستثناء الهجوم الصاروخي في آذار الماضي على مقر للموساد في أربيل بالعراق الذي تبناه الحرس الثوري في وادى الى مقتل غابريل تالكر الضابط الكبير في الموساد الإسرائيلي بمستوى نائب وزير برفقة 12 عنصر آخرين.

كرد مباشر على تجاوز تل أبيب الخطوط الحمراء بعد استهدافها مقرا للمسيرات الإيرانية في كرمانشاه غربي طهران ووحدة تطوير الطيران المسيَر في مجمع بارشين للصناعات العسكرية قي شرقها وهو ما يعني أن إسرائيل لا تمتلك فقط بيانات دقيقة عن مشروع الطائرات المسيّرة الإيرانية إنما أيضاً لديها فرق كوماندوز يمكنها تنفيذ هجمات نوعية من داخل إيران بطائرات انتحارية مسيرة قصيرة المدى.

بالتخطيط المحكم وفي زمن قياسي استطاعت المخابرات الإيرانية عير شبكة الإنترنت اختراق المجتمع الإسرائيلي وتجنيد عملاء وجواسيس من ذوي الأصول الإيراني للتقرب من أعضاء الكنيست والحصول على اخبار مسؤولي الموساد والشاباك والتقاط صور لمنزل رئيس الوزراء في القدس المحتلة ومراقبة المظاهرات السياسية واستطلاع أحوال اليهود الإيرانيين.

بالإضافة الى توجيههم لجمع المعلومات الاستخباراتية عن القواعد العسكرية في تل أبيب وبئر السبع وحيفا ومقر مبنى هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وتصوير مستشفى إيخيلوف والوصول الى عنوان البريد الإلكتروني لنتنياهو رئيس الوزراء الحالي ومعرفة أسماء مستشاريه ومقار جهازي الموساد والشاباك وعناوين منزل وهاتف رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت والتعرف على الطاقم الخاص بأفيف كوخافي قائد الجيش ولاستعداد للقيام بأعمال عنف مقابل مدفوعات مالية بالعملات المشفرة.

أحد أوجه الانتقام الإيراني البارزة في رد ايران على العمليات الإسرائيلية تجسد في مد الحركات الحليفة لها والمناهضة لإسرائيل بالسلاح والتكنولوجيا العسكرية لا سيما الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة والدقيقة التي أصبحت تؤرق كيان الاحتلال في جبهة الجولان السوري المحتل وجنوب لبنان وداخل الأراضي الفلسطينية.

مقابل تلك القدرات والجاهزية الإيرانية هل يمكن القبول بحجة ان عدم استهداف ايران للعمق الإسرائيلي نابع من ان طهران لا تريد الزج بنفسها في أزمات يمكن تفاديها بحكمة وعقلانية وضبط نفس في ظل سعي واشنطن وتل أبيب الى عقد تحالفات بمشاركة دول عربية في المنطقة وتركيا وان أي رد إيراني باستهداف المدن الإسرائيلية سوف يوتر المنطقة ويسرع في تشكيل هذه التكتلات الإقليمية لهذا حرصت إيران على عدم ضرب إسرائيل كي لا تستغل تل ابيب الأوضاع المعقدة التي تمر بها إيران وأذرعها الضاربة في المنطقة لتوجيه مزيد من الضربات المؤلمة تحت الحزام مع محافظة ايران على القيام بردود فعل محسوبة ويمكن تحملها باستثناء ذلك كانت جميع التهديدات الإيرانية مجرد حملات إعلامية جوفاء لامتصاص الغضب العام.

على عكس ذلك ذكرت بعض المصادر الإيرانية في فيلق القدس أن قوات الحرس الثوري وأجهزة الأمن الإيرانية سبق لها ان ردت أكثر من مرة باستهداف عدد من القيادات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها منها اغتيال الضابط في جهاز الموساد الإسرائيلي المدعو فهيم هيناوي 45 عام في 4 كانون الأول عام 2020 في أحد تقاطعات منطقة غيناتون جنوب شرقي تل أبيب بإطلاق أكثر من 15 رصاصة على سيارته بعد 7 أيام من اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده وكذلك اغتيال قائد لواء الناحال في الجيش الإسرائيلي الجنرال شارون أسمان 42عام في 1 كانون الثاني 2021 في إحدى القواعد العسكرية بمدينة نتانيا وسط فلسطين المحتلة وهناك عمليات أخرى استهدفت عناصر إسرائيلية في دول عديدة لم تتبناها إيران إلا أن قادة الكيان الاسرائيلي يعرفون جيدا أنها هي من تقف خلفها.

من المفيد جدا ان نستذكر في هذه المقام ما قاله القائد العام للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي في رسالته الجادة إلى إسرائيل ( احذروا لن نشارك فقط في جنازة شهدائنا بل سننتقم لهم على الفور إذا تكرر الأذى فستشهدون مرة أخرى هجماتنا وتعانون المذاق المر من ضرباتنا الصاروخية والبعض يقولون بسخرية متى ضربت إيران إسرائيل ومتى ردّت على ضرباتها.

خلال الفترة الأخيرة تحدثت بعض المواقع الصحفية العبرية عن تحذيرات ونوايا إيرانية بتنفيذ هجمات ضد أهداف إسرائيلية في هذه المرحلة من الجو والبحر واليابسة أحبط في كشف عملياتها ورسم معادلات توازن القوى والردع المباشر مع اسرائيل.

في الجانب الإيراني لا زلنا نسمع معزوفة مكرورة تتردد ( سنسوي تل أبيب وحيفا بالأرض في حال ارتكاب أي حماقة والهجمات الإسرائيلية لن تمر دون عقاب ) في الوقت الذي لا تهدد فيه تل ابيب بمسح ايران من الوجود ولا بتدميرها لكنا تقوم بذالك يوميا وبصمت.

هل سنصحو يوما ما على سيناريو وقوع هجوم ايراني منسق بالصواريخ والمسيّرات على بنى استراتيجية داخل إسرائيل يمكنه أن يشكل مفاجأة كبى لنا في ( تقديري كلا ) خاصة مع تصاعد حدة التوترات الإقليمية في المنطقة وتعثر إنجاز الاتفاق النووي.

mahdimubarak@gmail.com