لماذا الجيش
في الحياة نجد أن الأمور التي نختلف عليها كثيرة ، وهي في المحصلة تمثل وجهات نظر ، واجتهادات ، في السلوك اليومي أياً كان مصبه الإنساني ، وأما الأمور التي نتفق عليها اتفاقاً صريحاً دون شائبة فهي قليلة ، وقد أودع الله تعالى سراً من أسرار السمو في هذه القلة ، ومن هذه الأمور القليلة السامية التي نتفق عليها ، الوالدين ، والأبناء ، والوطن ، والجيش ، وحين نقول الوالدين فنحن نعني بذلك القيادة الحكيمة داخل الأسرة ، والأبناء هم المكوّن الإنساني لهذه الأسرة ، وأما الوطن فهو البيت الذي تسكنه الأسرة ، والجيش هنا هو الذي يحمي البيت وساكنيه ، ونجد في هذه القلة تناغماً رائعاً لا يستقيم فيه واحد دون الآخر ، بل لا تستقيم الحياة بمعانيها دون هذه التركيبة مجتمعة ، وضعف أحدها ضعف للكل ، وفي العادة تتداخل هذه الأمور السامية مع بعضها البعض لتكوّن نسيجاً واحد يصعب على الإنسان التفريق بينهما ، وهذه أجمل صورة من صور الوطن ، هذا الوطن الذي يمتد من النبض إلى النبض أغنيات محبة ووفاء، وطن نسكنه فضاء ، ويسكننا شمساً لا تغيب ، وطن واحد يأخذ شكل الوالدين ، والأبناء ، والجيش معاً .
لقد وقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة قلة من الصحابة ، ومن هذه القلة كانت الدولة العربية الإسلامية بكل أبعادها الحضارية ، والأخلاقية ، والدينية ، ونحن في الأردن نعتز بهذه القلة التي نتفق عليها ، ونسعى جاهدين لتجاوز ما نختلف عليه من كثرة .
الجيش بمسماه الوظيفي قلةٌ من أبناء الوطن ، وفي مسماه الروحي الوطن بكل تفاصيله الإنسانية ، والحياتية ، ففيه الوالدان ، وفيه الأبناء ، وفيه نحن جميعنا ، من هنا ومن مفهوم السر السامي في القلة التي تحدثنا عنها نجد أنفسنا جنوداً للوطن ، والآن لنتصور كم أصبحت هذه القلة ؟ وكم صار عدد أفراد الجيش الذي يمثل القلة ، إنه شعب كامل بكل فئاته ، وتنوعاته ، وخدماته ، وأخيراً أقول : إن القلة السامية هي الكثرة الباقية .