ربط شرف الفتاة بغشاء البكارة يفسد على الزوجين ليلة العُرس

اخبار البلد - يؤكد خبراء العلاقات الأسرية أن رهن شرف الفتاة بغشاء البكارة يكرس إلحاق الأذى بها جسديا ونفسيا، ما يجعلها تعيش حياة بائسة، مشيرين إلى أن التشكيك في أخلاقيات المرأة بسبب غشاء البكارة يعدّ شكلا من أشكال العنف المسلط ضدها. وينصح المتخصصون في العلاقات الزوجية الشريكين بعدم الرضوخ للعادات والتقاليد الأسرية المستوحاة من العصور القديمة، تجنبا لشرخ العلاقة بينهما من أول يوم.

القاهرة– كادت العلاقة الزوجية لفتاة مصرية أن تنتهي في اليوم الثاني لحفل زفافها بسبب شكوك راودت الزوج بأن شريكته التي لم يتجاوز عمرها ستة عشر عاما ليست عذراء لمجرد أنه حاول جماعها أول مرة ولم يشاهد الدماء تسيل من غشاء البكارة، فقام بطردها من المنزل إلى بيت أسرتها التي تبين لها كذب ادعاء الزوج.

اصطحب والد الفتاة ابنته إلى الطب الشرعي ليتأكد بنفسه ما إذا كانت ابنته القاصر عذراء أم لا، فجاءت النتيجة مطمئنة له بأنها بالفعل عذراء، فقام بحملها على الأعناق وطاف بها القرية برفقة عائلته، حتى يتأكد الجيران وكل من علم بالواقعة أن الفتاة شريفة، وهي الواقعة التي أثارت جدلا أسريا واسعا في مصر.

وتدخلت وزارة الداخلية على خط الأزمة وأبرمت صلحا بين الأسرتين وعادت الفتاة إلى بيت زوجها، وتم القبض على والدها بتهمة تزويج ابنته قاصرا قبل بلوغ السن القانونية (18 عاما)، لكن الواقعة تركت في نفوس الكثير من الفتيات آثارا نفسية سلبية حول الرهبة من ليلة الزفاف، وإلى أي درجة قد تصبح كل واحدة متهمة في شرفها.

الهواجس الأسرية ومخاوف الزوجين من ليلة الزفاف يصعب فصلها عن تدني الثقافة الجنسية في المجتمع وقلة الوعي

وقالت إيمان حمدي (عشرون عاما) إنها تابعت الواقعة لحظة بلحظة لتعرف مصير فتاة كادت حياتها أن تنتهي تحت مطاردة العادات والتقاليد والأعراف، فيما لم تنكر أنها صارت تعيش في حالة رُعب كلما تذكرت الليلة التي سوف تتزوج فيها، خشية أن تطاردها لعنة العذرية واتهامها في شرفها بسبب غشاء البكارة.

وأضافت لـ”العرب” أن اختزال شرف الفتاة في ليلة زفافها بغشاء بكارة شيء مرعب لأنثى تعيش في مجتمع شرقي، فقد تتعرض لكل أشكال التعذيب، وربما القتل، إذا لم تتم تبرئتها من تهمة العبث بعذريتها، مع أن هناك الكثير من الرجال يفشلون في العلاقة الحميمية ليلة الزفاف، ويتم اتهام الفتاة بأنها قد لا تكون عذراء.

وفي حالة الفتاة التي اتهمها زوجها ليلة الزفاف بأنها ليست عذراء تبين لاحقا من خلال الفحص الطبي أن غشاءها مطاطي، أي ليس من السهل قطع أنسجته عبر العلاقة الحميمية بين الشريكين ليلة العُرس، بل تحتاج الفتاة لتدخل جراحي لفض غشاء البكارة، وهي إجراءات طبية لا تدركها بعض الأسر بسبب ارتفاع منسوب الجهل مقابل التركيز على العادات.

وتعكس الواقعة إلى أي درجة لا يتقبل المجتمع الذكوري أن تكون المرأة حرة في جسدها، سواء أكانت فتاة صغيرة أو زوجة، فهي ملزمة بأن تعيش وفق العادات وتُحاسب بالأعراف دون إعمال للعقل أو المنطق، فأي هلع وخوف يمكن أن يصيب الفتيات من اتهامهن في شرفهن طالما أن صفاتهن الجسدية غير مقنعة للمجتمع.

وبسبب الجهل المتوارث، أصبحت ليلة الزفاف تصيب الفتيات في مصر بهواجس نفسية وضغوط يصعب تحملها، فأسرة الزوج والزوجة تراقب عن كثب ما ستؤول إليه الأمور في ليلة العُرس عندما يغلق الباب على الزوجين، هل كانت العلاقة مثمرة وطبيعية ونتج عنها فض الغشاء، أم أن هناك مشكلات؟

ويصعب فصل الهواجس الأسرية ومخاوف الزوجين من ليلة الزفاف عن تدني الثقافة الجنسية في المجتمع وقلة الوعي الجنسي لدى كثير من الأشخاص باعتبار أن معظم الأسر تتعامل مع مثل هذه المسلمات باعتبارها من المحرمات، وربما تصل حد الجريمة الأخلاقية، ما تسبب في انتشار حالة ربطت الشرف بغشاء البكارة.

وقد يبدأ الزوجان حياتهما بمخاوف تنعكس على العلاقة الحميمية، بينها الهلع من عدم القدرة على السيطرة على نجاح الجماع للمرة الأولى، والوصمة التي قد تواجه الرجل من عائلته لكونه في نظرها فشل في أداء المهمة بنجاح، مع أنه قد يكون فقد القدرة بسبب الضغوط النفسية في ليلة الزفاف، فيلقي بالمسؤولية على الزوجة.

ويرى متخصصون في العلاقات الزوجية أن اقتران فحولة الرجل بين عائلته وأقاربه بنجاحه في الاتصال الجنسي مع زوجته ليلة العُرس انعكاس واضح لمخاطر الرضوخ لعادات وتقاليد أسرية مستوحاة من عصور قديمة، لأن ذلك قد يتسبب في شرخ العلاقة بين الزوجين من أول يوم، لمجرد أن كليهما يحاول إرضاء العائلة قبل الشريك.

ويشير هؤلاء إلى أن الانصياع لرغبات الأسرة من جانب الرجل ومحاولة إثبات الذات سبب رئيسي في بداية العلاقة الزوجية بعنف جسدي يطال الفتاة ويشوه لديها فكرة العلاقة الحميمية ويجعلها تبغض الزواج برمته، ما يعكس خطورة تأثر الزوجين في ليلة العُرس بالعادات البالية التي تلزمهما بالنجاح في المهمة، وكأنها واجب عسكري.

بسبب الجهل المتوارث، أصبحت ليلة الزفاف تصيب الفتيات في مصر بهواجس نفسية وضغوط يصعب تحملها

وقالت هالة حماد وهي طبيبة واستشارية أسرية في القاهرة إن رهن شرف الفتاة بغشاء البكارة يكرس إلحاق الأذى بها جسديا وذهنيا ومعنويا، وتعيش حياة بائسة لمجرد أن غالبية الأسر تتعامل مع الأمر بقدسية دون وعي ولا فهم، مؤكدة أن التشكيك في أخلاقيات المرأة بسبب قطعة من جسدها "منتهى العنف والقسوة”.

وأوضحت لـ”العرب” أن المشكلة مرتبطة بغياب الوعي والخطوط الحمراء التي يفرضها المجتمع على فهم ما له علاقة بخصوصية الحياة الزوجية، لأن العلاقة بين الرجل والمرأة مقدسة لا يطلع عليها أحد، لكن رضوخ الطرفين لتلصص المحيطين بهم من الأهل والأصدقاء والمعارف يولّد بينهما حواجز نفسية لا تزول بسهولة.

وثمة معضلة أخرى ترتبط بأن بعض الأسر تتعامل مع العلاقة الجنسية بين الزوجين بمنطق التكاثر دون إدراك لكون الاتصال الجنسي هو بالأساس اتصال روحي وجسدي ونفسي، ولا ينجح إلا بتوافر كل هذه الجوانب والتفاصيل، واختزال الزوج عفة شريكته في غشاء بكارة يصيب العلاقة بتصدعات يصعب ترميمها بسهولة.

وما يبرهن على عدم حكمة الأسر التي تقدس ربط غشاء البكارة بالعفة والأخلاق، أنه صار بإمكان أي فتاة أن تقوم بعملية رتق للغشاء من خلال تدخل طبي بسيط وفي وقت قصير دون أن تعلم بذلك عائلتها ولا زوجها المستقبلي، طالما أن صك الشرف مرهون بمجموعة أنسجة يمكن رتقها في أي وقت وخداع كل المحيطين.

صحيح أن غالبية الفتيات لا يلجأن لهذا المسار، لكن العبرة من طرح تلك الرؤية مرتبطة باستمرار منسوب التخلف الأسري وعدم التحرر من المفاهيم والموروثات التي أصبحت تفسد على العروسين ليلة الزفاف، وقد تتسبب في إنهاء العلاقة الزوجية، ما يفرض على الشريكين أن يتحررا من القيود الأسرية ويرسما معا حياة مستقلة بعيدا عن الرضوخ للعائلة، طالما أن هناك إصرارا أسريا على جعلهما أسيرين لعادات بالية.