ماكرون: «فيلانِ كبيران» في «الغابة».. يحتاجانِ لـِ«نُمور وقُرود»!

أخبار البلد-

 

في محاولة لتوصيف المنافسة/الصراع المُحتدم بين الولايات المتحدة والصين, قال الرئيس الفرنسي/ماكرون أمام قادة المنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ «أبيك» التي انتهت للتو في تايلاند: نحن في الغابة ولدينا «فيلان كبيران» في حال توتّر مُتزايد، وإذا زادت حدّة توترِهما – أضاف – فسيبدآن بمحاربة بعضهما وهذا سيكون مشكلة كبيرة لبقية الغابة. مُشدّداً على «اننا سنحتاج الى تعاون العديد من الحيوانات الأخرى... النمور، القرود... الخ».

في ظاهر الأمر، بدا وصف الرئيس الفرنسي وكأنه يريد إضفاء أجواء من المرح في قمة تعيش حالاً من الاستقطاب الحاد خاصّة بين واشنطن وبيجين, يُضاف الى كمٍّ من الملفات الخلافية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. مثل ملف تايوان المتمادي فصولاً خِلافية والصراع المحتدم حول بحّرَيّ الصين الجنوبي والآخر الشرقي. ناهيك عمّا تعانيه علاقاتهما التجارية من مُطبات وصعوبات وعقوبات خلافية, أضف اليهما علاقات وتحالفات كل منهما الدولية وانعكاساتهما على المواجَهة الباردة (حتى الآن) بينهما. خاصّة في ما يتعلق بعلاقات بيجين بموسكو الآ?ذة في التعمّق على نحو استراتيجي/ تكاملي, وموقف الصين من الحرب الأوكرانية.

لكن الرئيس الفرنسي الذي أثار تشبيهه حالاً من ضحك الحضور، كان بدأ كلمته بعبارة يصعب على عاقل ابتلاعها, خاصّة بعد ان بدا وكأنه يتحدّث باسم المعسكر الغربي, ثم لم يلبث ان ادّعى «الحياد» عندما قال: نحن لا نؤمن بالهيمنة والمواجهة، بل نؤمن بالاستقرار ونؤمن بالابتكار, مشيراً الى ان منطقة آسيا والمحيط الهادئ التي تشهد – واصلَ – مناقشة متصاعدة بين الصين والولايات المتحدّة، يجب ان تعتمد على القوى الإقليمية بما فيها فرنسا لضمان هذا التوازن».

وبصرف النظر عن الإرث الاستعماري الفرنسي, الذي جعل جزءاً من تلك المنطقة يقع في المنطقة الاقتصادية لفرنسا. وهي الثانية في هذا القطاع حول سبع أراض تمتد من ريونيون الى كاليدونيا الجديدة وتاهيتي يعيش فيها 1.65 مليون نسمة، فإن مجرّد ان يقول وريث الثورة الفرنسية وحفيد المُستعمِرين الفرنسيين, الرافض الاعتذار للجزائر على جرائم وارتكابات أجداده بحق الشعب الجزائري الشقيق طوال/130 عاماً, كانوا خلالها يصفون الجزائر إدارياً بـ «الجزائر الفرنسية».. نقول: ان يقول ماكرون اننا نعيش في «غابة» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معانٍ?ودلالات, وما يستبطنه الوصف من ان للغابة قوانينها... حيث القوي يبتلع, يقهر, يقتل الضعيف وأن الغلبةَ له في النهاية. إنما يدعونا لاستدعاء الوصف الذي قاله مؤخّراً مفوّض الأمن والخارجية في الاتحاد الأوروبي/الإسباني الكتالوني جوزيف بوريل, خلال افتتاحه الأكاديمية الأوروبية لـ"الدبلوماسية»، قائلاً بفيض من الغرور والطمس المقصود على حقائق الماضي الاستعماري البغيض لأوروبا: ان أوروبا عبارة عن حديقة.. لقد بنيّْنا – أضاف – هذه الحديقة كأفضل مزيج من الحريّة السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي، استطاعت البشرية ا? تبنيه, لكن – استطردَ – بقية العالم ليس حديقة تماماً... بقية العالم – أغلب بقية العالم هو «أَدغال».

لم يتوقف بوريل عن هذه الأوصاف المزعومة عن رخاء أوروبا الاقتصادي وترابطها الاجتماعي, الذي جاء في الأساس نتيجة النهب الاستعماري الذي لم يتوقف لثروات الشعوب ومواردها وشقاء مواطنيها -، بل مضى في وقاحة موصوفة مُحرضاً على «شعوب الأدغال» قائلاً: الأدغال يُمكن ان تغزو الحديقة (لم يُشِرْ الى غزو الحديقة المتواصل للأدغال)، وعلى البستانِيّين – واصلَ – ان يتولّوا أمرها، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الأسوار، حديقة صغيرة جميلة بأسوار عالية لمنع الأدغال لن تكون حلاًّ، لأن الأدغال لديها قدرة على النمو، والأسوار ــ لم يتوق? بوريل بل واصلَ – مهما كانت عالية، لن تتمكّن من حماية الحديقة.. على البستانيّين ان يذهبوا الى الأدغال، على الأوروبيين – أضاف بحماسة عنصرية – ان يكونوا أكثر انخراطاً مع بقية العالم, وإلاّ – مضى مُحذّراً – فإن بقية العالم سوف «تغزو» أوروبا.

في المجمل تبدو أوصاف ماكرون في الجوهر والمضمون والنتائج, مُطابقة لما قاله بوريل. وإن كان الرئيس الفرنسي أكثر ذكاءً ودهاء, عندما قال ان الغابة يتقاتلُ/ ويتصارع عليها «فيلان", وما على بقية «الحيوانات» الأخرى مِن نُمورٍ وقُرود وغيرهم سوى.. «المساعدة».