ذيبان واهلها لمن لا يعرفهم!!


استوقفني حديث مع الدكتور موسى الخطيب عن ذيبان وأهلها حين سأله احد الأصدقاء عن حراك ذيبان والمسيرات التي تنطلق منها كل أسبوع وهي التي كانت سبّاقه في الحراك الشعبي وانطلقت منها أول مسيرة بتاريخ 6/1/2011. وجاء عنوان هذا المقال وفكرته من خلال الحديث الذي دار بيننا على خلفية الكلية الجامعية في ذيبان.
وفي البداية أود الحديث عن ذيبان كجغرافيه تقع ضمن محافظة مادبا إلى الجنوب .من منطقة المريجمه شمالاً إلى سيل الموجب جنوباً والى البحر الميت غرباً ومن الشرق حدودها المشيرفه واللهون. فيها مركز لواء ذيبان وفيها قضاء العريض ومليح وبها كافة الدوائر الحكومية وأكثر من ستين مدرسة. فيها سهول واسعة , و سيول, ووديان وعرة أرضها قاسية , و شامخة جبالها. حيث اكّسَّبت أهلها القسوة في الحرب , والخصام, و العزة , والشموخ والكرم. يقطنها أكثر من خمسين ألف نسمة من قبيلة بني حميدة. كان مصدر دخلهم يعتمد على الزراعة ,والفلاحة ,وتربية المواشي . والآن وبعد سنوات القحط ,والجفاف تحول معظم أهلها إلى الوظيفة الحكومية بشكل عام, والقوات المسلحة ,والأجهزة الأمنية.
ذيبان قديما لها تاريخها الشامخ حيث كانت عاصمة الملك مشيع. وهو من انتصر على اليهود وطردهم من هذه البلاد في عام 2000 قبل الميلاد تقريبا. ولها تاريخها الحاضر من بداية القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر. وقد اكّتسب أهلها بني حميدة لقب "ذبّاحة الدول" من مشاركتهم في معارك ضد الأتراك والتي كانت الغلبة لهم فيها وخاصة موقعة لب. ونخوة أو صيحة بني حميدة "بالسّياح ". وهم فرسان الوغى يقرون الضيف ويحمون الدخيل ومن نصاهم ما خاب. كما يوجد منهم الكثير في محافظة الطفيلة والكرك وكافة محافظات المملكة.

ومنطقه ذيبان لا يوجد بها أي مشاريع تنموية أو صناعية أو زراعية وأصبحت منطقة طاردة للسكان حيث انتقل الكثير من أهلها إلى مادبا وعمان. بعد بيع أراضيهم لتعليم أبنائهم. وأصبح معظم أهل المنقطة فقراء. حيث يوجد بها نسبة فقر وبطالة عاليه لا توجد في أي منطقة جغرافية في الأردن. ولا يعرفها المسؤولون جيداً في هذا البلد إلا من شهر 1/2011م
في بداية السبعينات من القرن الماضي توجه أبناؤها إلى العلم وأصبح الآباء يسعون إلى تدريس أبنائهم في الجامعات والمعاهد. ولضيق اليد وشح الموارد كان الذي يدرس إما أن يبع والده قطعة ارض لتدريس ابنه . أو يرسل ابنه إلى الاتحاد السوفيتي أو العراق أو أي دولة اشتراكية لتعليم أبنائهم مجاناً. لأنهم محرومون من المنح التعليمة بكافة أنواعها لعدم وصول أبنائها إلى مراكز القرار والمسؤولية وبما أنه لا منح تعليمة إلا بالواسطة لم يكن لهم نصيب منها. حتى أصبح الآن في كل بيت من بيوت أبناء قبيلة بني حميدة من 3-5 جامعيين ومهندسين وأطباء. وحمل الكثير من أبنائها الشهادات العُليا. فنتيجة لهذا الوضع كان لدينا عدد كبير من المتعلمين وحملة الشهادات . والكثير منهم عاطل عن العمل. هذا غير خلق ثقافة ووعي جديده بين أبناء وبنات القبيلة.

أننا لا نستغرب أن نجد في بيت العائلة الواحد من بني حميدة 3 إلى 4 أخوة يمثل كل منهم مدرسة سياسية تجد فيها اليساري وتجد فيها اليميني أخوة وأشقاء نتيجة انطلاق الأبناء في كل الاتجاهات طالبين العلم والعمل ."والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية".

أهلها كرماء ومن كرم أبناء بني حميدة رغم فقرهم أن رجلاً من جبل بني حميدة لدية أربع أطفال في المدرسة . فذهب إلى مدير المدرسة من اجل أن يعفي احد أبنائه من التبرعات المدرسية البالغة 3 دنانير لشح الحال وضيق اليد . وبعد أن وافق مدير المدرسة على ذلك قام الرجل بدعوة المدير والمعلمين إلى غداء في اليوم الثاني وبعد إلحاح وطلاق , ذهب المدير والمعلمون إلى بيت الرجل وإذ به قد ذبح لهم شاة " منوحة أولاده " يعرف هذا المعنى البدوي والفلاح . هذا ليس جنونا أو بطراً بل دليل كرم وشهامة و عزة نفس وكرامة الرجل الحميدي . الذي يذهب له الدّيان"صاحب الدين" يطلبه دينه عشرين دينارا يذبح له ذبيحة بخمسين دينار ويقول له يا (أخوي ) اصبر عليّ بالدين الحال مثل ما أنت شايف.

إن هذه الأسباب وغيرها من تاريخ و طبيعة المنطقة الجغرافية والفقر والبطالة . والعدد الكبير من المتعلمين والتعدد في الآراء السياسية والفكرية " حيث أصبحت قبيلة بني حميدة أكثر قبيلة ليدها متعلمون ومثقفون وسياسِون " . وحرمان المنطقة من حقها من التنمية . وحرمان أبنائها من الوصول إلى مراكز القرار" رغم كفاءتهم وأمانتهم.والكل يشهد إلى العدد البسيط الذين وصلوا من أبنائها بعد عودة الديمقراطية عام 1989م بذلك.
جميع هذه الأسباب جعلت أبناء ذيبان سباقين إلى الحراك ومحافظين علي ديمومته ويزاد جمعة بعد جمعة. وحتى الذين يعارضون هذا الحراك من أبناء هذه القبيلة يعارضونه بديمقراطية ووعي وحوار مؤمنين بحرية الرأي و التعبير. وليس كما يحصل في بعض المناطق .هذه هي ذيبان وهاهم أبناؤها أبناء قبيلة بني حميدة الشرفاء جند هذا الوطن وحماته الأمناء على وطنهم وأمتهم والذين لم يخذلوا وطنهم يوما وكانوا مع أبناءه عندما يصيح "الصّايح "بوجوب الدفاع عنه .
يحاربون الفساد اليوم ويطالبون بالإصلاح بأجنداتهم الوطنية مثلما حاربوا بفلسطين والكرامة. شأنهم شأن أبناء الوطن الغيورين. فلا يستطيع أحد أن يحرمنا أو يحتكر علينا هذا الحق.

لم اكتب هذا من باب العشائرية أو المناطقية أو الإقليمية فمطالبنا للوطن كله .واكتب حتى يعرف كل مسؤول على رأس عملة أو سيأتي إلى المسؤولية و كل من يتسأل لماذا ذيبان هذا وضع ذيبان وأهلها الحقيقي.