الاستمرار والتسارع في وتيرة رفع أسعار الفائدة وتداعياتها عالميًا ومحليًا

أخبار البلد ــ يعتبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية في دول العالم رفع سعر الفائدة الأكثر فاعلية في أدوات السياسة النقدية والحصول على نتائج رقمية سريعة قابلة للقياس والتقييم لضبط الطلب على السلع والخدمات لمحاولة السيطرة على الضغوط التضخمية وابطاء وتيرة التضخم وكبح جماحه وامتصاص السيولة من البنوك للحد من الاقراض.

وقد تم البدء من الفيدرالي والبنوك المركزية باستخدام وتطبيق أداة رفع سعر الفائدة في أذار 2022 بعد التعافي من جائحة كورونا والانفتاح ورفع القيود والاجراءات الاحترازية وعودة الأسواق بالرفع الأول 25 نقطة أساس، تلاه الرفع الثاني في أيار 50 نقطة أساس، ثم الرفع الثالث والرابع والخامس والسادس 75 نقطة أساس لكل منهما ليصل المجموع التراكمي لسعر الفائدة في ست مرات الرفع 4%، مقارنة مع معدل سعر فائدة صفري في فترة الجائحة.

أي تم تثبيت سعر الفائدة الصفرية طوال سنتي الجائحة التي بدأت في أذار 2020 واستمرت الى أذار 2022، بينما ارتفع السعر بعد التعافي وخلال ثمانية أشهر في العام 2022 بمقدار 4 %.

وهي مرشحة لمزيد من الارتفاع قبل نهاية هذا العام ولن يتوقف حتى العام 2023.

أما خفضها فمن غير المتوقع أن يكون قبل العام 2024 للعودة بمستوى التضخم الأمريكي الى مستهدفه البالغ 2% للعام 2022.
فارتفاع سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية ساهم في ارتفاع الدولار الأمريكي في مواجهة العملات الأخرى، حيث هبط اليورو لأدنى مستوى له منذ بدء تداوله في العام 2002 ووصل الى أقل من دولار واحد.

وهبط الجنيه الاسترليني بمقدار خمس قيمته في 12 شهرا بعد أن وصلت دورة أسعار الفائدة المرجعية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي ذروتها ، والين الياباني في أسوا مستوياته .

كما أن معدلات التضخم المرتفعة التي تجاوزت 10% في دول الاتحاد الأوروبي ومشاكل امدادات الطاقة وعدم توفر البدائل المناسبة وارتفاع أسعارها وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، كلها عوامل ادت الى ضعف عملات تلك الدول .

وتعمل الولايات المتحدة على جعل الدولار المرتفع هو العملة المهيمنة على احتياطيات الدول من العملات وجعله ملاذا امنا وتدفقه اليها واضعافه احتياطيات الدول من العملات الأخرى التي تشكو من انخفاض تقييم العملات الأخرى المكونة لجزء من احتياطياتها؛ اذ إن جزءا من الاحتياطي يتكون من عملة الدولار الذي لا يقتصر عليه، بل وايضا عملات أخرى.

ان الفيدرالي في مخططه اجراء عدة رفعات تدريجية مقبلة لسعر الفائدة حتى العام 2023 لاحتواء التضخم، وهو يعزو الرفع الى التصاعد في التضخم وأسبابه التي تكمن بالحرب في أوكرانيا وما تبعها من أزمة الطاقة الروسية، والاغلاقات في الصين، وارتفاع مستوى الأجور وقوة العمل في الولايات المتحدة.

ان الاقتصاد الأمريكي قوي ومرن ومتشعب القطاعات الاقتصادية التي تساهم في الناتج المحلي الاجمالي والنمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل وارتفاع مستوى الأجور ونقص الأيدى العاملة وارتفاع الدخل والقدرة الشرائية وضخ الحكومة الأمريكية للسيولة خلال فترة الجائحة الناتجة عن قيامها بطباعة الدولارات وتوزيعها على الفئات المتضررة من الجائحة دون غطاء من الذهب لعملية الطباعة وهي الدولة الوحيدة في العالم التي منحت لنفسها استثاءا من متطلب غطاء الذهب لغايات طباعة الدولار كما أنها أكبر دولة عليها ديون في العالم ( دولة مقترضة ) وتتركز في سندات الخزينة الأمريكية التي تطرحها الحكومة بالدولار الأمريكي عند الحاجة الى الأموال لمواجهة الانفاق بمختلف أوجهه.

ويكتتب بها مستثمرون ودول نفطية ودول عظمى مثل الصين وروسيا وهذه الدول ليس من مصلحتها انخفاض سعر الدولار حتى لا تنخفض قيمة السندات وفوائدها وعند التقييم وبالتالي الحرص على احتياطياتها التي تتشكل منها تلك السندات ، وسعي تلك الدول بالاعتماد على تبادل عملاتها المحلية في العمليات التجارية بين عدد من الدول الكبرى مثل اليوان الصيني والروبل الروسي والتي كشفت الحرب في أوكرانيا وتبعات أزمة كورونا أنها في حاجة الى تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي في ظل شحه بالأسواق الناشئة والعمل على تطوير عملة احتياطي دولية جديدة بديلة للدولار.

ان رفع الفيدرالي لسعر الفائدة ست مرات خلال هذا العام دون تحقيق نتائج ملموسة لخفض التضخم بل يتسارع سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا وخطته لرفعات مقبلة، يفرض على السلطات الرقابية في الدول التي تتبع سياسة تثبيت سعر الصرف مقابل الدولار الأمريكي ( عملة التثبيت ) أن تدرس بروية الأثار والتبعات من وراء الرفوعات المقبلة والحاجة الحقيقية لتلك الرفوعات والنهايات والحدود التي ستتوقف عندها تلك الرفوعات، رغم ارتباط سياساتها النقدية بالسياسة النقدية للفيدرالي.

لقد بات غالبا ألا تتناسب وتيرة رفع أسعار الفوائد الفيدرالية بالطريقة التي يتوقعها المستثمرون والبنوك المركزية، حيث تتوقع المؤشرات المستندة الى السوق وأحدث التوقعات الفيدرالية رفع سعر الفائدة القياسي الى 4،5% أو أعلى.

وتشير التقارير الدولية الى احتمال حدوث أزمة في الأسواق الناشئة نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة والدولار الأمريكي عند أعلى مستوى منذ 20 عاما .

والهبوط الحاد في أسعار الذهب كون ارتفاع سعر الفائدة وارتفاع عوائد سندات الخزينة الأمريكية لأجل عشر سنوات يجعل من اقتناء الدولار أفضل من اقتناء الذهب ويقلل من جاذبيته، يثير تساؤلا عما اذا كان للمجلس أن يحتوي التضخم بنجاح عن طريق رفع أسعار الفائدة بأكبر وتيرة منذ عقود دون التسبب بركود اقتصادي وأضرار جانبية ، وتزايد أعباء الديون نتيجة الرفع ومخاطر تعثر السداد للدول النامية المدينة ومطالبها من الدول الدائنة بتخفيض أعباء تلك الديون بوسائل متعددة ومنها تحويل جزء منها الى استثمارات.

إن مواصلة الاستمرار في اللحاق بقرارات الفيدرالي وبنفس المقدار قد زاد بشكل كبير من تكاليف التمويل وأعباء الحصول على القروض للأفراد والتشغيل والاستثمار وارتفاع تكاليف الانتاج باعتبار الفوائد تشكل عنصرا منها ، وتأثيرها السلبي على النهوض بالاقتصاد.

وقد ارتفعت الفائدة محليا على القروض القائمة قياسا بما كانت عليه عند تاريخ منح القرض خلال فترة زمنية لاحقة وقصيرة على ضوء قرارات الرفع المتتالية، اضافة الى الرفع على القروض الجديدة. الدستور 

* خبير اقتصادي ومالي