تشدد البنوك في الإقراض !!

تهمة كبيرة موجهة للبنوك, بدأنا نسمعها عقب اندلاع الأزمة المالية العالمية بأنها تتشدد في الإقراض. فهل هذه الادعاءات صحيحة أم لا? معدلات نمو رصيد التسهيلات الائتمانية للقطاعين الخاص والعام تعطي فكرة عن مدى دقة التهمة المطروحة. الجدول رقم 13 في النشرة الإحصائية الشهرية للبنك المركزي يبين الميزانية الموحدة للبنوك المرخصة العاملة في الأردن ويجيب على التساؤل المطروح. 

بند الديون على القطاع الخاص في ذلك الجدول يبين أن تلك الديون نمت في السنة التي اندلعت فيها الأزمة, أي عام ,2008 بنسبة 14 بالمائة وانخفضت نسبة النمو الى 1.3 بالمائة عام 2009 بسبب التحفظ في منح التسهيلات من جهة وعدم توفر طلب حقيقي قابل للإقراض من جهة ثانية, وذلك وفقا لنتائج المسوحات والدراسات التي قام بها البنك المركزي خلال تلك الفترة, حيث كان معدل رفض الطلبات المقدمة للبنوك للحصول على ائتمان قد انخفض من 25 بالمائة في الربع الأخير من عام 2008 إلى أقل من 10 بالمائة عام .2009 

الديون على القطاع الخاص (مقيم) ورصيدها 14.8 مليار دينار في نهاية شهر تشرين الثاني من عام ,2011 نمت عام ,2010 وفي الأشهر الاحد عشر الأولى من عام 2011 بنسبة 7.3 بالمائة و 9 بالمائة على التوالي. معدلات نمو بهذا المستوى تدحض كل الادعاءات التي تقول إن البنوك متشددة في منح الائتمان. وان كنت أتحفظ على مصطلح "متشددة". 

فالتشدد أمر ومطلب وحاجة ضرورية للبنوك وتعني أنها تمنح الائتمان وفقا لمعايير وضوابط وسياسات ائتمانية عالمية (وان كانت المعايير العالمية لم تعد مقياسا بعد الأزمة) ووفقا لمعايير البنك المركزي. 

والتشدد هو لحماية أموال المودعين بالدرجة الأولى لأنها تشكل المصدر الرئيسي لأموال البنوك بعد رؤوس الاموال, وهو أيضا حماية للقطاع المصرفي وللاقتصاد بشكل عام. ولولا التشدد لتجاوزت نسبة الديون المشكوك في تحصيلها نسبة التسعة بالمائة التي وصلتها في النصف الأول من عام .2011 

مقارنة مستوى الديون على القطاع الخاص (مقيم) مع حجم الودائع لأجل والتي وصل رصيدها الى 14 مليار دينار في نهاية تشرين الثاني 2011 يشير بوضوح أن البنوك , وبعد أخذ مسألة آجال الودائع واستحقاقات الديون, قد أقرضت كامل ودائعها لأجل بالدينار وبالعملات الاجنبية.

أما اذا طرحنا ودائع لاجل بالعملات الاجنبية التي تشكل 2.2 مليار في نهاية تشرين الثاني نصل الى نتيجة فحواها أن البنوك تكون قد اقرضت 140 بالمائة من حجم ودائعها لأجل, وهذا يعني أنها استخدمت جزءا كبيرا من ودائع التوفير وودائع تحت الطلب الموجودة في جانب المطلوبات في ميزانيتها.

واذا أضفنا ديون البنوك على القطاع العام التي وصل رصيدها الى 7.1 مليار في نهاية تشرين الثاني ,2011 فان هذا يعني أن البنوك أقرضت كامل رصيد ودائعها بالدينار والبالغ 19 مليار دينار وفقا لمختلف أنواع الودائع بعد طرح الودائع بالعملات الأجنبية من رصيد إجمالي الودائع البالغ 24 مليار دينار, وبهذا تكون قد استخدمت جزءا من ودائع التوفير وودائع تحت الطلب لديها. 

فائض السيولة الموجود لدى البنوك هو على شكل نقد في الصندوق وودائع لدى البنك المركزي على شكل احتياطي إجباري (ونسبته 7 بالمائة من إجمالي الودائع) واحتياطي فائض ويمثل ودائع البنوك الإسلامية لأنها لا تضع أموالها في نافذة الإيداع بسبب وجود فائدة, والمبالغ الأخرى هي أموال مودعة في نافذة الإيداع وتعود للبنوك التجارية.

وجود سيولة بهذا الحجم أيضا هو لأغراض تلبية حاجات الطلب للسحب من الودائع ولأغراض أخرى تقع تحت غرض "غب الطلب". 

وبمناسبة الحديث عن الائتمان أود التذكير وبعد صدور قانون البنوك رقم 28 لسنة 2000 بأنه لم تعد هنالك قيود من البنك المركزي على نسبة التسهيلات الى الودائع بعد أن كانت قبل ذلك محددة بنسبة 90 بالمائة. وتترك هذه النسبة للبنك ليقررها وفقا لسياساته الائتمانية وان كان البنك المركزي بين الفينة والأخرى يقوم بتذكير البنوك بوصول النسبة الى حد قد يرى فيه بعض المخاطرة. 

بعد كل التوضيحات والأرقام والنسب أعلاه أعتقد أنه لم يعد مبررا وجود تهم للبنوك بالإحجام عن الإقراض. وباعتقادي ان من البديهيات القول أن البنك الذي يحجم عن الإقراض سيعرض نفسه للإفلاس, أما البنك الذي يتشدد في منح الإقراض فيجب تقديم الشكر له على ذلك اذا كان التشدد محكوما بمعايير ومتطلبات محلية ودولية. 



* مدير عام جمعية البنوك في الأردن