إيلون ماسك والخليج: الأولوية للمصالح أم للانسياق وراء الحملات على السعودية.

اخبار البلد - يثير انتقال منصة تويتر إلى سيطرة رجل الأعمال إيلون ماسك الكثير من التساؤلات حول إستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في الخليج؛ هل ستحد من النشاط السياسي الشعبوي أم ستساعد على ازدهار موجات ما صار يسمى بالذباب الإلكتروني؟

ومنذ شرائه تويتر أرسل ماسك إشارات متناقضة، بعضها يفهم منه أن المنصة ستغير الكثير من طريقة مراقبة ما ينشر بالاعتماد على آليات توظيف الذكاء الاصطناعي، وبعضها الآخر يوحي بأن المنصة ستمنح النشطاء الحرية التامة في كتابة ما يريدون، وهو ما يحولها إلى ملعب جديد للمواجهة مع السياسيين في الولايات المتحدة كما في الشرق الأوسط، وخاصة في الخليج، حيث مركز ثقله وتأثيره.

وأعطى قرار ماسك التخلص من نصف الموظفين في الشركة الانطباع بأن الأولوية في المرحلة القادمة ستكون لتحصيل عائدات الإعلانات وتعويض تراجع إيرادات تويتر، وأن ذلك سيكون على حساب عملية مراقبة المحتوى، وهو ما يعني أن المنصة قد تفتقد إلى مقاييس النزاهة والحياد في الصراعات السياسية، وأن ذلك قد يجعلها ملعبا للمعلومات المضللة وحملات التحريض والحقد.

وقال رئيس إدارة السلامة والنزاهة في شركة تويتر يوئيل روث إن الشركة استغنت عن 50 في المئة من موظفيها، بينما ذكر أنه لم يطرأ أي تغيير على الآلية المتعلقة بالإشراف على المحتوى على منصة التواصل الاجتماعي.

ويتساءل مراقبون عن الطريقة التي سيتعاطى بها ماسك مع منطقة الخليج؛ هل سيكون وفيا لبراغماتية رجل الأعمال الذي يريد تحقيق مكاسب في منطقة مهمة سياسيا وإعلانيا وتمثل ثقلا مستقبليا على مستويات كثيرة، خاصة أن تويتر سبق أن حققت أرباحا طائلة من الحملات الإلكترونية في الخليج، أم أن المنصة ستتحول إلى ورقة ضغط على دول بعينها مثل السعودية، امتدادا للحملات ضدها في الولايات المتحدة والغرب عموما؟

ويرى المراقبون أن صفة رجل الأعمال الباحث عن المكاسب ستغلب على أي اعتبار آخر في شخصية ماسك، ما يجعل الأولوية لاستقطاب الإعلانات، وهو المسار الذي يعني عدم الصدام مع خيارات الدول في المنطقة، والتحرك ضمن المجالات التي يسمح باللعب فيها دون المس بالضوابط المعروفة وخاصة الاستهداف المباشر للقادة والزعماء مثلما يحصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

ويحذر هؤلاء من انخراط ماسك في أجندات غربية وإقليمية تعمل على استفزاز الخليجيين عبر تويتر كورقة ضغط مثلما يحصل في الإعلام الغربي، وذلك بالسكوت عن الحسابات الوهمية التي خفت الآن بعد المصالحة الخليجية، لكنها يمكن أن تنفلت في أي وقت تنفيذا لأجندات أخرى مرتبطة بجماعات متشددة أو بدول إقليمية تريد تصفية الحساب مع الخليجيين خاصة إيران والميليشيات التابعة لها.

ولا يُعرف ما إذا كان المالك الجديد لتويتر سينأى بنفسه عن الماكنة الدبلوماسية والإعلامية الغربية التي تكون دائما على استعداد للهجوم على السعودية في حال اتخذت قرارات لا تتماشى مع حسابات أميركية مثل ما حصل في ملف أوبك+.

وقال الكاتب والصحافي الكويتي غنيم الحسيني إن سعي إيلون ماسك إلى عدم السماح بعودة الحسابات المحظورة والمزيفة يؤكد أنه يريد أن يحقق واقعا افتراضيا يقوم على المصداقية بين أفراد تويتر.

وتوقع الحسيني، في تصريح لـ”العرب”، أن تكون منصة تويتر برئاسة ماسك مركزا موثوقًا به للبحث عن حسابات أصلية، ومصدرا للحصول على المعلومات الصحيحة.

وأكد استشاري تشريعات التحول الرقمي في القاهرة محمد حجازي أن تويتر لن تكون منصة للحسابات الوهمية، لأن ماسك حين كان يتفاوض مع الإدارة السابقة كانت النقطة الأساسية المزعجة بالنسبة إليه هي وجود العديد من الحسابات المزيفة.

وأوضح حجازي لـ”العرب” أن "قرار إدارة تويتر الذي يقضي بفرض رسوم على توثيق الحسابات لتكون جميعها زرقاء يشير إلى أن ماسك مقتنع بحتمية مواجهة الذباب الإلكتروني، لأنه مسيء لسمعة الموقع، وهو لا يريد أن يكون هناك ما يسمى بـ’اللجان الإلكترونية’ الموجهة إلى حسابات سياسية محددة بشكل لا يقحمه في مشكلات معقدة مع جهات معينة”.

واستبعد حجازي أن تكون تويتر ورقة ضغط على دول الخليج وشعوبها، لأن ماسك يرفض استمرار المنصة كوسيلة للابتزاز وخلق تريندات وهمية بشكل يسهم في نشر معلومات مضللة ومغلوطة، ويضمن من وراء قرار دفع رسوم للتوثيق القضاء نسبيا على الحسابات الوهمية كي لا تكون حرية التعبير موجهة لأهداف مشبوهة.

وقال ماسك في تغريدة بعد فترة وجيزة من تغريدة روث "مرة أخرى، لكي نكون واضحين تماما، يظل التزام تويتر القوي بالإشراف على المحتوى دون تغيير على الإطلاق”، وهو ما يجعل المقياس الأساسي لديه هو إمساك العصا من المنتصف، أي الحفاظ على التوازن القائم على حرية النشر وفي نفس الوقت مقاومة الحملات التي تسيء إلى مصالحه.

واعتبر الخبير المصري في الإعلام الرقمي خالد برماوي في تصريح لـ”العرب” أن "ماسك لا يكترث بالعداءات التي تحيط به بسبب تصوراته الشخصية التي يرفض التنازل عنها، لذلك من المتوقع الدخول في عداءات مع أي طرف، طالما يحقق من وراء ذلك بعض المصالح”.

ونجحت مواقف ماسك وتصريحاته في أن تجعل الأعين مسلطة على تويتر خلال الأسابيع الماضية، وزاد الجدل الرسمي الأميركي حول تويتر وإن كانت الأمور ستذهب إلى منصة شعبوية على هيئة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خاصة بعد التصريحات القوية التي أدلى بها الرئيس الحالي جو بايدن.

وقال بايدن إن ماسك اشترى "أداة ترسل وتنشر الأكاذيب في مختلف أنحاء العالم… لم يعد هناك محررون في أميركا. لا يوجد محررون. كيف نتوقع أن يتحلى الأطفال بالقدرة على إدراك المخاطر؟”.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير للصحافيين في وقت سابق إن "بايدن كان واضحا بشأن الحاجة إلى الحد من خطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة”.

وأضافت "هذا الأمر يمتد إلى تويتر، ويمتد إلى فيسبوك وأي منصة أخرى من منصات التواصل الاجتماعي التي يمكن أن ينشر المستخدمون من خلالها معلومات كاذبة”.

ووعد ماسك باستعادة حرية التعبير مع منع تويتر من الانحدار إلى "الهاوية”. لكن كبار المعلنين عبّروا منذ أشهر عن شعورهم بالخوف من استحواذه على تويتر.