البنوك (الكلاسيكية) في مواجهة البنوك (الرقمية)

أخبار البلد-

 

لعبت البنوك دورا مهما جدا في مسيرة التنمية في الأردن منذ نشأتها، وكان لها أثر واضح في دفع عجلة الاقتصاد، والمساهمة الإيجابية في معدلات النمو، وتعتبر اليوم عصب الاقتصاد الوطني أداء و تنميةً واستقرارا. و خلال تلك المسيرة قامت برفع قدراتها في مواجهة التقلبات الاقتصادية، وزيادة الطلب على الخدمات المالية نتيجة ازدياد عدد السكان في المملكة خلال ربع القرن الماضي، وباعتبارها جزءا من النظام المالي العالمي قامت أيضا بتطوير خدماتها لتواكب التغيير في بيئتي المال والأعمال.

ما تزال البنوك بشكلها الحالي (الكلاسيكي) تلعب الدور الوسيط ما بين المودعين والمقترضين، إلى جانب تقديم الخدمات المالية التقليدية، في حين بدأت البنوك الريادية (الرقمية) بتطوير نماذج أعمال رقمية تحاكي التطور المتسارع في حاجات ورغبات العملاء، ومحاولة امتلاك مِيزات تنافسية فريدة لتقديم خدماتها في تمويل صناديق استثمارية خاصة، كما تقوم على فكرة توسيع نطاق الخدمات المالية والاستشارية، والدعم الفني بطرق أكثر ابتكاراً، و إتاحة الفرصة لتوفير خدمات مالية غير تقليدية وتمتين العلاقة التشاركية بين القطاعين الخاص والعام.

من هنا يمكننا القول: إنه وبالرغم من التطور المتسارع في امتلاك البنوك للتكنولوجيا المتطورة، وتحقيقها أرباحا جيدة مقارنة في القطاعات العاملة في الأردن، ما زال الأداء دون الطموحات؛ إذ يرجى منها تنويع استثماراتها من خلال الاستثمار في المشاريع الكبيرة وتمويل صناديق سيادية على مستوى الوطن، وتطوير نفسها بأخذ أدوار استراتيجية أكثر عمقا، ودمج الإمكانات المالية والخبرات التقنية للقطاع المصرفي الأردني، والانطلاق نحو تحقيق أهداف أكثر ذكاء ضمن المنظومة المالية الرقمية الجديدة.

ونظرا لوجود فجوة بين الخدمات المالية المقدمة وبين الاستثمار، وجدت البنوك نفسها أمام تحدٍّ جديد، يتمثل في ضرورة تعزيز دورها الاستثماري كهدف أساسي يضمن لها تقديم خدماتها المالية للشرائح المستهدفة من العملاء الذين يبحثون عن عوائد مالية جيدة وبجودة عالية، ليعزز دورها الاستراتيجي، وموقعها التنافسي، ويزيد معدلات النمو في البلد بشكل عام. ولكن عليها _ أولا _ نزع عباءة الدور المصرفي الكلاسيكي الذي تقوم به، وتطوير خططها و استراتيجياتها واستغلال التوجه العام في الدولة نحو الحاجة للاستثمار في مشاريع ضخمة، وتوظيف أموال?المودعين في استثمارات يمكنها تحقيق عوائد مالية مرتفعة: (كالاستثمار في مشاريع وطنية مثل الطاقة المتجددة والناقل الوطني، وتحلية المياه، ومشاريع النقل والشحن، والاستثمار في مشاريع الحلول المالية السريعة... الخ) وتوثيق الشراكة مع الجهات ذات العلاقة مثل وزارتي الاقتصاد الرقمي والريادة، والاستثمار، وشركات الاتصال كمزودي خدمات.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ماذا لو قامت البنوك بتقديم دعم فني وتقني لمؤسسة الضمان الاجتماعي كشريك استراتيجي لإنشاء صندوق وطني سيادي معني بتمويل المشاريع الكبيرة؟ تسهم في تعزيز دوره الخبرات المالية التي تعج بها الساحة المصرفية الأردنية، على أن يقوم الصندوق بالمواءمة بين الخدمات المالية المطروحة والاستثمار لتتكامل الصورة المالية شكلاً ومضموناً. ويمكن لهذا الصندوق أيضا تبني نموذج حديث في البيئة الأردنية تمهيداً لتشكيل نواة يُبنى عليها فيما بعد بإنشاء صناديق مختصة في تمويل المشاريع الكبيرة على مستوى الوطن.

وعَوْدا على بدء، تشير التقديرات إلى أنه سيتلاشى دور البنوك الكلاسيكية ما بين العشرة والخمسة عشر عام المقبلة، وعلى البنوك الرقمية التقاط الإشارة جيدا وبناء شراكات حقيقية مع القطاع العام، وتنويع استثماراتها بما ينعكس عليها وعلى الاقتصاد الوطني ككل.