لتجنب ثورة ثالثة.. السيسي يسترضي المصريين وينشد تكاتفهم

اخبار البلد - كثف الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي حضوره الإعلامي وخطاباته، وبات يتحدث إلى المصريين عن التفاصيل الصغيرة أكثر فأكثر بعد سنوات من المبالغة في الحديث بالعموميات، في خطوة توحي بأنه بات قلقا من مخلّفات الأزمة التي تعيشها مصر، وأنها يمكن أن تقود إلى ثورة ثالثة وسط مؤشرات على غليان بين المصريين، ما حدا به إلى مناشدتهم التكاتف للخروج من الأزمة.

وأقر الرئيس المصري الأربعاء علاوة اجتماعية استثنائية بقيمة 300 جنيه (نحو 25 دولارا) لجميع العاملين بالدولة وأصحاب المعاشات، وتعهدت الحكومة بعدم حدوث زيادات في أسعار الكهرباء، في محاولة لاسترضاء شريحة من المواطنين تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية.

وكثّف السيسي رسائله السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأيام الماضية، وحمل حديثه لنحو ثلاث ساعات في افتتاح المؤتمر الاقتصادي الأحد وفي ختامه الثلاثاء، الكثير من التفاصيل حول الدور الذي قام به منذ توليه الحكم قبل ثمانية أعوام وإنقاذ البلاد من مصير مجهول، وركز خطابه في المرتين على ضرورة التكاتف الشعبي وعدم قدرة الدولة على تحمل هبة شعبية ثالثة بعد ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013.

وجاء كلام السيسي في مداخلة هاتفية مع التلفزيون المصري استغرقت نحو ثمانين دقيقة مساء الثلاثاء وكأنه يريد زيادة حضوره ومد المصريين بالكثير من المعلومات والتفاصيل لتفادي شبح الثورتين السابقتين.

وأشار خطاب الرئيس السيسي في المرتين أمام المؤتمر الاقتصادي والمداخلة الهاتفية المطولة مع التلفزيون الرسمي إلى أنه يسعى لتفادي تكرار سيناريو الحراك الثوري في مصر مرة ثالثة، انطلاقا من خبراته الأمنية، حيث كان في الأولى رئيسا لجهاز المخابرات الحربية، وفي الثانية وزيرا للدفاع.

ويمثل الاهتمام بوضع الأمور في نصابها الصحيح أمام الشارع المصري إخفاقا للحكومة ووسائل الإعلام التابعة لها، ويوحي بأن السيسي لا يزال صاحب شعبية كبيرة في وقت رددت فيه تقارير أن شعبيته تراجعت عقب تراكم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وزيادة معاناة المواطنين البسطاء.

ودعت جماعة الإخوان إلى تظاهرات في شوارع وميادين مصر في الحادي عشر من نوفمبر المقبل ضد الرئيس السيسي، تزامنا مع انعقاد مؤتمر المناخ في مدينة شرم الشيخ على البحر الأحمر، خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر، للاستفادة من الزخم الإعلامي المتوقع أن يصاحب المؤتمر وفعالياته، من بينها احتجاجات معنيين بالمناخ.

وأصبح المشروع الأهم بالنسبة إلى الرئيس المصري حاليا عبور موعد التظاهرات، والذي بدأت وسائل إعلام تابعة لجماعة الإخوان تنوّه إلى تقديمه بحيث يوافق الثامن من نوفمبر يوم الثلاثاء، إلى الحادي عشر وهو يوم جمعة وعطلة رسمية في مصر بما يشير إلى تكرار سيناريو ثورة يناير التي بدأت في الخامس والعشرين من يناير وكان يوم ثلاثاء، وبلغت ذروتها بعد ثلاثة أيام، في الثامن والعشرين، وكان يوم جمعة.

 

وتستثمر الجماعة في تصاعد حدة الأزمات داخل مصر لحضّ المواطنين على الخروج إلى الشارع احتجاجا على أوضاعهم المتردية وليس نصرة للإخوان، وهو ما يزعج السيسي ويجعله يلجأ إلى توظيف رصيده الشعبي والتحذير من الانسياق وراء مخططات الإخوان الخبيثة، ولم يشر إلى الجماعة صراحة في أيّ من خطاباته الأخيرة.

ولم يعد السيسي معنيا في الوقت الراهن بتدشين مشروعات قومية جديدة يستقطب بها المواطنين ويجذب انتباههم إليه، بقدر ما أصبح مهتما بقطع الطريق على دعوات التظاهر هذه المرة، والتي لم تجد تجاوبا علنيا في الداخل، لكنّ هناك شعورا جارفا بوجود نار تحت الرماد قد تشتعل بسبب تراكم الأزمات وليس حبا في الإخوان.

ولم يحل إحكام أجهزة الأمن سيطرتها على الفضاء العام دون وجود انتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي من شخصيات كانت قريبة من النظام المصري أو مستقلة، لم يُعرف عنها الميل نحو تنظيم الإخوان الذي جرى تجفيف منابعه في الشارع.

وبدا واضحا أن أجهزة الأمن المصرية رفعت تقارير تحذر من ارتفاع مستوى الغضب في الشارع وعدم رضاء شريحة من الناس عمّا تحقق من إنجازات ومشروعات أخفق مردودها في إقناع جزء معتبر من الفقراء بجدواها الاقتصادية والاجتماعية.

وتكمن المعضلة في عدم وجود ما يسمى بـ”كاتالوغ” أو قاموس يسهل من خلاله توقع رد فعل المصريين، فمنذ ثورة يناير وما أحدثته من مفاجأة في العقل الجمعي العام لا أحد يستطيع قياس رد فعل المواطنين، فالهدوء والتأقلم مع الأوضاع الصعبة والصمت على المشكلات لا يعني القبول بها إلى ما لا نهاية.

وحمّل السيسي نفسه أكثر من طاقته عندما بدأ يتصدى بمفرده لطمأنة المصريين وتبديد مخاوفهم، حيث فقدت أجهزة الإعلام الرسمية -التي تم إنفاق الكثير من الأموال عليها لتعبر عن رؤية النظام الحاكم وتعزيز الثقة به- تأثيرها.

وهي أزمة مضاعفة، لأن منصات التواصل الاجتماعي أو الإعلام الموازي المعارض باتا أكثر تأثيرا في الشارع مع تعدد القنوات على يوتيوب والنشطاء الذين ترعاهم جماعة الإخوان في الخارج.

ويقول مراقبون إن عدم ذكر السيسي جماعة الإخوان يبدو كأنه لا يريد منحهم أهمية كبيرة، لكنه أيضا قد ينطوي على وجود جهات أخرى في الداخل والخارج تدعم التظاهر وتريد مناكفته وكسر شوكته بعد أن وضع في حوزته كافة أدوات الحل والعقد.

ويضيف المراقبون أن كل خطوة إيجابية أو إصلاح سيتخذ في مصر قبل تظاهرات نوفمبر المحتملة أو بعدها سيتم تفسيرهما على أنهما استجابة لضغوط المعارضة، ما يمثل مشكلة أخرى في المستقبل القريب قد تضع السيسي في حالة لم يعتد عليها طوال فترة حكمه، لأن قابليته للتنازل كانت ضعيفة للغاية.

وولدت ثورة يناير في مصر لدى أجهزة الأمن هواجس من مغبة الإفراط في العنف، لأنها أدت إلى تغيير أسفر عن محاسبة قاسية للكثير من الضباط وخلّفت جراحا لهم ولأسرهم، واحتاجوا وقتا كي تندمل بعد ثورة يونيو.

وما يقلل من القبضة الأمنية في التعامل مع أيّ تظاهرات محتملة أن وسائل الإعلام الدولية بدأت تستعد لها في القاهرة أكثر من استعدادها لمتابعة فعاليات قمة المناخ في شرم الشيخ.