رواتب الضمان العالية وإعفاءات المتهرّبين
أخبار البلد ــ من المؤسف أن يركّز مدير مؤسسة الضمان على الرواتب التقاعدية العالية التي تزيد على خمسة آلاف دينار، ويصوّر لنا أنّ مشكلة الضمان تكمن في هذه الرواتب المرتفعة واستحواذها على نسبة مرتفعة من فاتورة التقاعد، في الوقت الذي تم فيه معالجة هذا الموضوع كما أشار الخبير الأستاذ موسى الصبيحي في معلومته التأمينية رقم (500)، منذ عام 2014 بصدور القانون رقم (1) لسنة 2014.
وأريد هنا أن أذكّر مدير الضمان بما تم اكتشافه خلال السنوات الثلاث الماضية من وجود حوالي (1000) متقاعد من متقاعدي الضمان المبكر من ذوي الرواتب المتوسطة والمرتفعة ومن بينهم شخصيات معروفة وذات نفوذ حصلت على رواتب تقاعد مبكر عالية، وكان قد تم اكتشاف أنهم لا زالوا يقومون بأعمالهم ووظائفهم بالرغم من حصولهم على رواتب التقاعد المبكر التي تحظر العودة إلى العمل دون إبلاغ مؤسسة الضمان وفقاً للقانون، وتحظر الجمع بين الراتب المبكر والأجر من العمل إلاّ وفق عدد من الضوابط التي وضعها القانون، التي في حال توفرها يجمع المتقاعد بين جزء من راتبه التقاعدي المبكر وأجره من العمل ويعود مشتركاً من جديد.!
الفئة التي أتحدث عنها ويعرف عنها مدير الضمان جيداً، هي فئة حصلت على رواتب تقاعدية مبكرة، وصدر تصريح من المؤسسة عام 2019 بأنها قامت بإيقاف رواتب حوالي (100) شخصية معروفة من متقاعدي المبكر الذين اكتشفت المؤسسة أنهم لا زالوا يعملون في مواقعهم وغيرها ولم ينقطعوا عن العمل بعد حصولهم على التقاعد المبكر وفقاً للقانون، بالرغم من أن من شروط الجمع بين الراتب المبكر والأجر من العمل أن ينقطع المتقاعد عن العمل لمدة (24) شهراً متصلاً من تاريخ تخصيص راتبه المبكر، وأن لا يعود قط إلى المنشآت التي كان يعمل فيها خلال الستة والثلاثين اشتراكاً الأخيرة السابقة على تقاعده، ومنهم من استمر بالعمل لدى ذات المنشأة الأخيرة ما يعتبر كل ما تقاضاه من رواتب تقاعدية دون وجه حق..!
وليس هذا فحسب، ولكن فوجئنا عند العمل بقانون الدفاع، وصدرت بعض أوامر الدفاع الخاصة بالضمان بشمول هؤلاء الذين اعتدوا على أموال الضمان وأخذوا منها الملايين دون وجه حق مخالفين بذلك القانون، فوجئنا بشمولهم بالإعفاء مما نسبته (50%) من الغرامات المترتبة عليهم وعلى منشآتهم، وتم السماح لهم بتقسيط المبالغ المترتبة عليهم بفائدة (1%) فقط، بالرغم من أنهم كانوا كما قلت مخالفين للقانون، وأخذوا ملايين الدنانير من أموال الضمان دون وجه حق، حيث تم معاملتهم كما تُعامَل الشركات والأشخاص المُعسرين، مع العلم أن الأصل بالإعفاء أن يكون مقتصراً على الأشخاص والشركات المتعثرة أو المتضررة من الجائحة، لا أن تُشمل بها المنشآت المخالفة للقانون والأشخاص المتحايلين على القانون..! علما بأن مؤسسة الضمان قد ربحت القضية بالقضاء بقرار قطعي بدفع جميع الاموال المترتبة من أصول مبالغ وغرامات على الأفراد والشركات!
إذا أردنا إصلاح منظومة الضمان، فعلينا أولاً أن نصوب المسار باتجاه إحكام تنفيذ القانون بعدالة على الجميع، وأن نسعى إلى ضبط النظام التأميني بما يحقق الحماية والعدلة للمنتفعين والمشتركين، وأن لا نسمح لأي جهة كائناً من كانت بالتغول على النظام والمال، الذي هو مال المشتركين والأجيال، فلا يُنفق منه دينار إلا بموجب القانون والأنظمة الصادرة بمقتضاه، أما موضوع ضبط الرواتب التقاعدية العالية، فهذا تم الانتهاء منه ومعالجته منذ القانون الصادر سنة 2014، وبأسلوب حكيم وتوافقي وعادل ومتوازن.