أيها النوَّاب : إنَّكم غثاء ...؟!!

بسم الله الرحمن الرحيم
أيها النوَّاب : إنَّكم غثاء ...؟!!
منتصر بركات الزعبي
Montaser1956@hotmail.com

البرلماناتُ تُوجَدُ لكي تمثلَ الشعوبَ ، ولكنَّ برلمانَنا الأردنيُّ عكسُ كلِّ برلماناتِ الدنيا ، فهو يُمثِّلً على الشَّعبِ ، ولا يُمثلً الشَّعبَ ، فهو إطارٌ أو بروازٌ للحكومةِ ، بل ديكورٌ للزينةِ ، وأعضاؤه دُمىً لتجميلِ ، وجهِ الحكومةِ الذي أفسده الدهر ، ألم يتحول النوَّاب إلى شخوصٍ (هلاميَّة) ؟! تلك التي عبَّر عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم – بقوله : [ ولكنكم غثاء ؟!].
إنَّ الفكرةَ الأساسيةَ أنَّ برلمانَنا تحولَ إلى زائدةٍ دوديةٍ للسلطةِ التنفيذيةِ،تحوَّلَ إلى مكانٍ تقضي فيه الحكومةُ حاجَتَها عندَ اللزومِ. أليستْ مهمةُ البرلمانِ البصمَ على مراسيمَ وقوانينَ تأتيهم جاهزةً من الحكومةِ.
نحن في وضعٍ لا يمكنُ أنْ نتحدثَ فيهِ عنْ برلمان( مُشَفَّر) جاءتْ به الحكومةُ واصطنعتهُ على عينِها "handmade" و بمقاسها ، فحوَّلتْ أعضاءَهُ من خدمةٍ للوطنِ إلى نقمةٍ على الوطنٍ ، برلمانٌ لا علاقةَ لهُ بالرقابةِ والتشريعِ ، له علاقةٌ بقولِ واحدٍ أنْ يقولَ : آمين ، لا لله ، وإنَّما للحكومةِ فقطْ ، هل يُوجَدُ برلمانٌ في هذا العالمِ لا يوجد فيه معارضة غيرُ البرلمانِ الأردنيِّ ؟ الكل فيه مُولاة [111] نائب ثقة !!، إنهم أشبه ما يكون بفرقة أُوركسترا ، أو عازفي كمنجة في مجلس الشعب يرفعون أيديهم دفعة واحدة ، عندما يُعطيهم المايسترو[Maestro ]إشارةً البدء .
رئيسُ الوزراءِ التركيِّ الشهيرِ ، رجب طيب أردوغان طالبً وبقوةٍ ، تعزيزَ موقفِ أحزابِ المعارضةِ في البرلمانِ التركيِّ ، فقالَ في خطابٍ لهُ : المعارضةُ في البرلمانِ تَضْعفُ، البرلمانُ يعاني من ضعفِ المعارضةِ فعلينا كحكومةٍ أو كنظامٍ تركيِّ أنْ نعزِّزَ من دورِ المعارضةِ. الدُّولُ التي تحترمُ نفْسَهَا تَعْتَبِرُ المعارضةَ جُزءًا أصيلاً من النظامِ.
أليس البرلمان الآن نهبًا للحكومةِ ، تنهب القرارات منه نهبًا، ولا يستطيع لها دفاعٍا ولا صدًا ؟ أليس كالقصعة التي تمتد إليها ألأيدي تنهش ما بها من طعام ؟! ولا يستطيع لها ردًّا ولا دفعًا؟!
أيُّ برلمانٍ على مساحة هذا العالم؟ يُقرُّ نظامًا للجمِ الحقيقةِ ، وخنقِ الحريَّاتِ ومنع كشفِ الفسادِ والمُفسِدين ، ومعاقبةِ كلِّ مَنْ يُحاوِلُ أنْ يكشفَ عن فاسدٍ بغرامةٍ ماليةٍ أكثرَ بأربعةِ أضعافٍ ممن يَشْتُمُ ويتطاولُ على الأنبياءِ والرسلِ إلَّا البرلمانِ الأردنيِّ . - لقد أصبحَ البرلمانُ الأردنيُّ صاحبَ أقسى ترسانةِ قوانينَ في المنطقةِ كلِّها -.
أيُّ برلمانٌ في العالمِ ؟ يَعتَبِرُ كلَّ مَنْ يطالبُ بالإصلاحِ ، والنهوضِ بالوطنِ من أبناءِ الشعبِ ، عميلٌ ، ومندسٌ ، وإرهابيٌّ ، ودخيلٌ ، ومنفذٌ أجنداتٍ خارجيةٍ، ومدفوعٍ ، و مأجورٍ، وصاحبِ فتنةٍ ، إلا البرلمانُ الأردنيُّ ؟!
منْ يُصَدِّق ؟ بأنَّ الشعبَ الأردنيَّ اليومَ لديه نوابٌ ينطِقون باسمِهِ ، وقد وقفوا في مواجهتِه وكبحِ جماحِه ، يتهددونَه ، ويتوعدونَه بالويلِ والثبورِ ، وعظائمِ الأمور ، ويطالبون بِقَمْعِهِ ، وكَسْرِ إرادتِه ، واستخدامِ البلطجةِ ضدهِ ، لتطبيشِ رأسِهِ ، وتهشيمِ عظامِهِ ، والدعسِ على رقابِه ، وَطردِهِ إلى خَارجِ الحدودِ إلى أفغانستانَ ، والصومال ، بلْ والى بلادِ الواقِ الواقِ.
ألمْ يُقدِّمْ النوابُ رِشْوَةً دُفِعَوا ثمنَها مقدمًا لوزيرِ الإعلامِ ، وهي 'بيعُ الذممِ' ، حتى يَتمَّ بثُّ كلماتِهِم عبرَ الهواءِ مباشرةً من خلال التلفزيون الحكومي . لَكَمْ تبدو تمثليةٌ ساخرةٌ تلك التي جرت أحداثُها على مَسْرَحِ البرلمانِ الأردنيِّ – مَحْمَصِ الشَّعبِ - ، حينما تبارَى الخطباءُ ، باللطمِ ، والنواحِ ، والعويلِ ، والصراخِ ، وفردِ العضلاتِ ، وإذا بِهمْ في نِهايَةِ الحفلِ يمنَحون الحكومةَ صُكُوكَ الغُفرانِ .
وكانَ آخرُ الرَقْصِ حَنْجَلَةً ، أنْ أبْرمَ معَ الحُكُومةِ عَقدَ تَواطؤٍ مُقْتَضَاهُ : أنَّ صفقهً نيابيةً حكوميَّةً قدْ أُبرِمَتْ خلفَ الكواليسِ ، وأنْ التحقيقَ معَ الذهبيِّ سيكونُ مُقابلَ عدمِ فتحِ ملفِ سكنٍ كريمٍ بشكلِ نهائيّْ ، وذلك لإبعادِ وزيرِ الإشغالِ الأسبقِ سهل عبد الهادي المجالي عن الشبهات ، أو التحقيقِ معهُ في المستقبلِ ، كما حصلَ بالتمامِ والكمالِ مع معروفِ البخيتِ في قضيةِ الكازِينو، التي بدتْ الآنَ تتكشفُ أمامَ النيابةِ العامةِ ، بيناتٍ جديدةٍ لمْ تتطرقْ أو تتوصلْ إليها لجنةُ التحقيقِ النيابيةِ ، التي حققتْ بذاتِ القضيةِ مُؤخراً في مجلسِ النوَّابِ قبلَ إحالتِها إلى النيابةِ العامةِ.
يُذكَرُ أنَّ ملفَ سكنٍ كريمٍ ، من ملفاتِ الفسادِ الكُبرى التي شَهِدَها الوَطنُ ، والتي تَجاوَزَ الفَسَادُ فيها مئاتِ الملايين ، وأنَّ أبْطَالَها بالإضافة إلى سهلِ المجالي ، باسم البهلوان ، ومحمد الذهبي ، وأحدِ أعضاءِ مجلِسِ الأعيانِ الحاليِّ . نتحدثُ عنْ لَعِبٍ على المقاسِ العائليِّ ، عنْ مقايضةٍ تتمُّ بِمُقْتَضَاهَا.
عِنْدَما يَرَى الشَّعبُ أنَّ هذا البرلمانَ فقطْ للديكورِ، وتُصْرَفُ عليهِ مَلايينِ الدنانيرِ ، بينما مدارِسُنا ، وجامِعَاتُنا ، ومستشفياتُنا ، وطرقُنا تعاني الإهمالَ، والتقصيرَ.
مَنْ يُصَدَّقْ أنَّ كُلْفَةَ عِلاجِ أسْنَانِ الوزراءِ والنوَّابِ تُقَدَّرُ بمليون دينار- مليون ونصف دولار – منِ مُوَازَنَةِ الدَّولَةِ ؟
مَنْ يُصَدِّقُ أنَّ مَبْنَى البرلمانِ الأردنيَّ يضمُّ بين جنباته 500 موظف ؟ باعترافِ رئيسِ المجلسِ على إحدى الفضائياتِ الأردنيِّةِ قبلَ أيامٍ قليلةٍ ، أليسَ مِنَ ألأفضلِ ؟ أنْ تُصْرَفَ هذهِ المَلايين التي تُدْفَعُ على هكذا برلمانٍ على الناسِ المُعْدَمَةِ – الميتةِ من الجوعِ والبردِ - وخريجِي الجامعاتِ المُعَطَّليِنَ عنِ العملِ.
أليسَ مِنَ الطَّبِيعِيِّ جِدًا ؟ أنْ تَخْرُجَ مَسِيراتٍ تتحَدَّثُ عَنْ غضبِ الناسِ وَسُخْطِهِم مِنَ البرلمانِ ، ومن البِطَالةِ ، و منَ الجوعِ ، ومِنَ القَهْرِ ، ومِنَ الفسادِ في الوقتِ الذي كان فِيهِ التلفزيون الأردنيُّ ينقلُ بثاً حيًا ومباشرًا ، صورًا للبحرِ الميتِ ، و للسياحِ ، وللطغاةِ ،والعُراةِ ، الذين يُقِيمُون في فنادقَ ذاتِ السبعةِ نجومٍ من أجلِ التصويتِ له كإحدى عَجَائِبِ الدنيا السَّبْعِ الطبيعيةِ . هل يعقل هذا ؟ أليس هذا قهرا للشعب ؟ يقولون لهُ بِلِسَانِ الحالِ ، والمَقَالِ : مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ .
نعم ، إنَّ برلماننا يعيشُ حالةَ موتٍ سياسيّ ، بسببِ عجزِهِ عنْ تقديمِ أيِّ إشباعٍ ديمقراطيّ أو اقتصاديٍّ ، أو حتى مِنْ زَاوِيَةِ الكرامةِ الوطنيِّة ، وسيظلُّ في حالةِ نزاعٍ - بينَ الموتِ السِياسِيِّ ، وتأخُّرِ مَرَاسِمِ الدَّفْنِ - مِمَّا سَيُبْقِي الأردنَّ في مُعَانَاةٍ ، كَمَا يُعَانِي الآنَ مِنْ تَفَسُّخَاتٍ، وحالةِ احتقانٍ اجتماعيٍّ - الذي حذَّرتُ مِنْهُ أكثرَ مِنْ مَرَّةٍ – أدعو الله - جلَّ وَعلى - أن يكتبَ لمسيرةَ الوطنِ مزيدًا من المنَعَةِ ، والازدهار والخير.
.