ما لم يقله رؤساء الوزراء السابقون!
لم يحظ الرأي العام الأردني بفرصة الإطلاع على تفاصيل اللقاء الذي جمع جلالة الملك عبد الله الثاني مع رؤساء الوزراء السابقين قبل أسبوعين. وكالة الأنباء الأردنية قدمت عرضا مقتضبا لأهم ما تضمنه اللقاء وقامت بعض الصحف والمواقع الإلكترونية بالتركيز على تعليقات إضافية لبعض الرؤساء السابقين في محاولة ربما لإعطائهم صورة إيجابية. ويبدو أن الحقيقة الكاملة تكمن في مكان ما بين الروايتين.
بعد قراءتي لملخص اللقاء، تذكرت على الفور طيب الذكر السيد آلان جرينسبان المحافظ السابق للبنك المركزي الأميركي وأحد ألمع الخبراء الماليين في العالم، بل الشخصية التي قادت السياسات المالية الأميركية لثلاثة عقود. بعد حدوث الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008 أدلى جرينسبان بشهادة أمام الكونغرس الأميركي قال فيها ببساطة: إن الأزمة أصابته بالذهول وغيرت كافة المعتقدات التي عمل بموجبها طوال تلك الفترة وخاصة ترك السوق الحرة لتدير نفسها. وعندما سأله أحد الشيوخ عما إذا كان يشكك في تقديراته للمبادئ المالية التي هيمنت على البنك المركزي قال جرينسبان بدون شك إننا أخطأنا.
الخلاصة من رواية هذه القصة؛ أن محافظ البنك المركزي الأميركي لمدة تتجاوز 30 سنة يعترف بالخطأ ولكن ايا من رؤساء الوزراء السابقين في الأردن امتلك الجرأة والشجاعة في الاعتراف ببعض الاخطاء. إن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي وصلنا إليه كان نتيجة تراكم عشرات السياسات والقرارات الخاطئة إضافة إلى عدم القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة في معظم الحالات والمسؤوليات تقع بشكل رئيس على رؤساء الوزراء السابقين؛ لأنهم وحدهم الذين يفترض أن يحملوا الولاية العامة للدولة.
لم يقل أي من الرؤساء السابقين أمام الملك انه ربما قد أخطأ في التسرع ببعض قرارات التخاصية والانسحاب السريع للدولة من الخدمات، ولم يقل أحد بأنه قد أخطأ في إدخال البزنس مع السياسة، ولم يقل ثالث بأنه كان يجب أن يتمسك بالولاية العامة للحكومة ولا يسلمها لجهات أخرى ولم يعترف رابع قطعا بأنه غض الطرف عن سياسات خاطئة منها تزوير انتخابات ولم يتمكن خامس من الإشارة إلى اتخاذ قرارات اقتصادية غير مدروسة زادت من الأعباء على المواطنين، والقائمة تطول.
تذبحنا دائما الحكمة بأثر رجعي. الكل قديسون ولا أحد يخطئ ولا توجد مراجعة ولا تقييم علمي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تسببت في تراجع بعدة مؤشرات تنموية انعكست على الوضع العام للمواطنين. نحن بحاجة إلى تقييم منصف ودقيق لتجربة إدارة الحكومات في السنوات الماضية، وبدون استهداف رئيس واحد أو عدة رؤساء أو في المقابل تلميع بعضهم الآخر. المطلوب مراجعة تامة لحصيلة أداء الحكومات حتى عندما يتحدث رئيس سابق بحكمة رجعية نقول له مهلا، هذه مؤشرات أدائك منذ تسلمت المسؤولية حتى خرجت منها فما هو تفسيرك لما حدث؟
ما قاله رؤساء الوزراء في لقائهم بجلالة الملك كان ربما مهما، ولكن الاهم من ذلك هو ما لم يذكروه!