هل فشلت حكومة الخصاونة في تنفيذ بنود التكليف السامي؟ .. القطاع الصحي مثلا

أخبار البلد ــ من العبارات التي تكتب بماء الذهب ومما أجراه الله على لسان جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله قوله:

«إن مبدأ سيادة القانون هو خضوع الجميع، أفراداً ومؤسسات وسلطات، لحكم القانون».

بعبارة أخرى: سيادة القانون هو أساس الإدارة الحصيفة، التي تعتمد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في نهجها.

العدالة في الكلمة، والعدالة في العمل .. عدالة القلم واللسان!
وليس من العدل غض النظر عن واقع التغيير .. لكن واحيانا إذا ماتم عقد المقارنة بين حجم المشكلة وحجم التغيير كان حجم التغيير ضئيلا لا لضآلته في نفسه، بل لعظم الواقع السيء.

 

أنا اليوم أكتب بعيدا جدا عن الصفة الرسمية .. أكتب بقلم المهندس الذي قضى عمره في وظيفته متنقلا بين مواقع كثيرة في وزارة الصحة منذ عام ١٩٩٥م.

أكتب بقلم المواطن الأردني الذي شاهد وعاين هموم مقدم خدمة الرعاية الصحية وهموم متلقيها ..بقلم الباحث الذي حين قرر أن يختار موضوع رسالة الماجستير خاصته رأى أن من حق الوطن عليه أن يكتب فيما له علاقة مباشرة بطبيعة مجتمع العمل الذي هو فيه .. فكتبت رسالتي عن جودة الرعاية الصحية، واخترت متغيرا، وجه البعض اللوم لي حينها على اختياره ( إدارة المخاطر ) لحداثة هذا الأدب في العالم، وندرة الكاتبين حوله في الوطن العربي فيما يتعلق بالرعاية الصحية خصوصا، وفي الحقيقة لم أجد سوى رسالة واحدة منشورة حينها لم تنل كبير إعجابي.

لكن كان اخطر سؤال وجه لي: كيف ستقوم بصياغة الاستبيان؟

نعم .. أذكر أني تعبت وعانيت وانا أطوف الجامعات لأحظى بتحكيم الأساتذة الدكاترة لاستبياني، لكن في النهاية خرجت به، ووزعته على العينة المختارة.

 

وقد يستغرب القاريء لماذا ابتدأت مقالي بهذه المقدمة !

والجواب: توطئة وتهيئة لما وقفت عليه من نتائج استطلاع الرأي الأخير والصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية حول موقف الأردنيين من حكومة الدكتور بشر الخصاونة. حيث اظهر إستبيان مركز الدراسات الاستراتيجية حسب نشرهم بان حكومة الخصاونة بعد عامين على تشكيلها لم تنجح بتنفيذ ١٩ بندا من أصل ٢٢ تم تكليفها بالعمل عليها في كتاب التكليف السامي.

واشار الاستطلاع إلى أن 32% من الأردنيين يثقون برئيس الوزراء بشر الخصاونة مقابل 68% لا يثقون.

وأن غالبية الفئة المستطلعة آراؤها أفادت أن وزارات "التعليم العالي، والتربية والتعليم، والصحة، والعمل" تستوجب التعديل.

 

وأقول - مستعينا بالله - مقدما بين يدي قولي أغلى مشاعر الشكر والامتنان لكل من قدم دراسة علمية أراد بها صالح الوطن والمواطن.

لكن يحضرني هنا قول القائل: وكم من باغ للخير لا يدركه !

فالدراسات من هذا النوع تعتمد في جل نتائجها على معرفة فقه الواقع للمجتمع المراد دراسته، وكوني أعمل في وزارة الصحة وأدور في فلكها منذ ربع قرن من الزمان فأنا أكثر من يعلم حقيقة الألم وحقيقة الإنجاز مهما كان حجمه صغيرا.

 

والسؤال هنا: هل وقف المركز على حقيقة الفجوة بين ماض الوزارة و واقعها الحاضر ؟!
وهل كانت الفئة المستهدفة (العينة) بالاستبيان على دراية تامة بواقع الإنجاز في وزارة الصحة خلال فترة حكومة د. بشر الخصاونة؟!

 

قطعا لم يلمس كل مواطن هذا التغيير، فالشاب الذي لا يرتاد مستشفيات البشير لسلامة صحته، بل لا يذكر آخر مرة زار فيها هذا المستشفى لم ولن يدرك اي تغيير إيجابي حصل فيه، بخلاف كهل أصابه ما أصابه من الأمراض المزمنة ولا زال يرتاد المستشفى كل شهر لصرف أدويته، ليتفاجأ بنظام إيصال أدوية الأمراض المزمنة إلى مكان سكنه بمجرد تنزيل تطبيق صغير على هاتفه الجوال.

أو مواطن كان يعاني من أمراض القلب والشرايين أغلقت الأبواب في وجهه ليتفاجأ بأن ثمة مركزا متطورا في وزارة الصحة ( مركز الجراحات المتخصصة) وداخل مستشفى البشير يقوم بتقديم خدمة الرعاية الصحية المتقدمة لجراحة القلب المفتوح والقسطرة القلبية يوميا وعلى مدار الأسبوع بأيد خيرة الأطباء من القطاع الخاص تم شراء خدماتهم من قبل وزارة الصحة.

أو مريض سرطان كان يقف على قائمة الدور الطويلة جدا ليحصل على سرير في مركز الحسين للسرطان بات بإمكانه أن يتم علاجه في مراحل معينه ضمن مركز سميح دروزة للأورام في حرم مستشفى البشير.

ومريض التصلب اللويحي، والغدد الصم، وغيرها من الخدمات الصحية التي باتت تقدمها وزارة الصحة ضمن منشآتها.

 

من الذي سيقيم مثل هذا التغير في الخدمات الصحية؟

الشاب الصحيح السليم؟

أم المريض الذي انعكس هذا التغيير عليه إيجابا؟!

هل ياترى استطلع المركز رأي أبناء الطفيلة -مثلا- وهم يرون مستشفاهم الذي طال انتظارهم له منذ خمس سنوات ماثلا أمامهم رأي العين؟

ونفس الشيء في عجلون ومستشفى طال انتظار أهل عجلون له مدة ثمان سنوات، يفتتح ويعمل!!

وأهل الفحيص وهم يرون مبنى القسم القضائي للصحة النفسية يفتتح ويعمل بعد خمس سنوات من التعطل؟!

وأهل الرويشد أخيرا بعد سنوات من الانتظار يرون مستشفى جديدا بأحدث المواصفات يفتتحه معالي رئيس الديوان الملكي شخصيا!!!

هل استطلع المركز رأي العائلات وهي ترى ٢٥٠٠ من أبنائها تم تعيينهم ضمن موظفي وزارة الصحة؟ بل زاد العدد بعض مئات أخرى! مئات الأطباء والممرضين تم تعيينهم والنجاة بهم من شبح البطالة! كم كانت فرحة أهاليهم بهذا الحدث!.

 

أنا هنا لست في باب تعداد إنجازات حكومة الدكتور بشر الخصاونة في مجال الصحة، لكني أردت الإشارة فقط إلى أن هذه الدراسة - مع كامل احترامي لواضعيها- إلا أنها لم تكن على قدر مقبول من الواقعية، على الأقل في قطاع الصحة.

إذا كان التغيير الإيجابي لم يشعر به المواطن المستغني عن الرعاية الصحية فلا بد أن يبين له ماتم إعلاميا حتى برتفع لديه منسوب التفاؤل، وينشرح صدره أن في هذا الوطن أناسا يعملون بكل جهد وجد يستحقون منا أن نعترف بفضلهم.

فالاعتراف بالفضل خلق رفيع تعرفه النفوس الكريمة، ولون بهي من ألوان الحياة الهانئة المستقرة، به نحمي أيامنا وليالينا من السواد.

فبالاعتراف بالفضل نقوم ونرتقي، ومن دونه نقعد وننحني. به يزيد العطاء ويكثر البذل، وبالنكران تنكمش الأيادي ويسود الجفاء والعذل.

به يتشجع كل ذي فضل، فيستمر عطاؤه، ويزداد نماؤه، وتتواصل بذلك حركة المتطوعين والمبدعين والمنتجين في حياتنا، فالشكر لهم أعظم محرك ودافع، وغمطهم حقهم قد يكون أكبر مثبط و مانع!.

 

والله من وراء القصد