وحدة ما يغلبها غلاّب
وكأنّه قدر هذين البلدين ـــ مصر وسوريا ــــ أن يكون لهما تاريخهما المشترك وهمومهما ومشاكلهما المتشابهة . وعند تعرّض سوريا لعاديات الزّمان كانت تهبّ مصر للمساعدة والنّجدة ، وإذا حلّ بمصر سوء كان المدد والعون يأتيها من الشّام . كان هذا في غابر الزّمن في عهد الأيّوبيّين والمماليك ، واستمر في القرن الحالي ، فقد كان السّبب الرّئيس والمباشر لحرب حزيران عام 1967 هو تسريب أخبار عن حشود عسكريّة إسرائيلية ضخمة على الحدود الشّماليّة في مواجهة سوريا مما يُؤكّد تحضيرها لشنّ هجوم عليها . وقد سرّب هذه المعلومات الإتحاد السوفيتي ــــ الحليف المشترك ـــــ حينئذ للرئيس جمال عبد النّاصر ، ممّ اضطرّه لحشد الجيش المصري دون استعداد . فكان ذلك مُخطّطا ومؤامرة لضرب مصر وقوّتها الصّاعدة وهيبة ومكانة عبد النّاصر الّذي كان يُقدّم نفسه ونظامه حاملا للواء القوميّة العربيّة ومُدافعا عنها .
ومن القدر المُشترك بين البلدين هذه التواريخ الفارقة الثّلاثة والّتي لها دلالات عميقة وكان وسيكون لها تأثير كبير في حاضر ومستقبل المنطقة .
ففي 25/1 كُنّا على موعد مع بدء ثورة الشّعب المصري ضد دكتاتور حكمها ما يزيد عن ثلاثين عاما أذلّ شعبها وأفقره وأبعد مصر عن دورها وقيادتها ، وبمناسبة ذكراها الأولى نُبارك للشّعب المصري العظيم ونرجو أن تستمرّ ثورته لتحقيق كامل أهدافها ، فما هو مطلوب من مصر وشعبها كبير يتناسب مع حجمها ودورها .
وفي15/3 وبعد شهرين من الثّورة في مصر وشهر واحد على إجبار حاكم مصر على التّنحي ، انطلقت من درعا ثمّ انتشرت في معظم المناطق ثورة ما زالت مستمرّة في سوريّا .نتمنى لسوريا وشعبها الخير بتحقيق ما يصبو إليه .
أمّا في 22/2 فقد عرف الشّعب طريقه ووحّد الشّعب بلاده ، فإذا الحلم حقيقة والأمانيّ إرادة فكانت الوحدة بين الشّمال والجنوب في وحدة ما يغلبها غلاّب هذا كان المأمول ، إلاّ أنّ قُوى الشّدّ العكسي كان لها رأي آخر فتغلّبت إرادتها على إرادة غالبية الشّعب وضاع هباء الصّوت الّذي تغنّى بالرّابط بين ( الموسكي ) و ( سوق الحميديّة ) وبقي النّشيد الذي تعلّمناه صغارا وما زال الأبناء يردّدونه
بلاد العُرب أوطاني ***** من الشّام لبغدان
ومن نجد إلى يمن ***** إلى مصر فتطوان
وليبقى الأمل في النّفوس حشرجة تصدح به الحناجر على موعد مع حفيد لصلاح الدّين أو الحسين بن علي .