ماذا لو رحلت الحكومة؟

أخبار البلد-

 

تكثر الإشاعات والأقاويل هذه الأيام عن قرب رحيل الحكومة، أو أن رئيسها يعتزم إجراء تعديل وزاري موسع للتخلص من بعض الأعضاء في فريقه الوزاري بحجة عدم الانسجام والتناغم فيما بينهم. وهي التهمة التي دائما ما يجري الصاقها بالحكومات المتعاقبة، ويتم الاستناد إليها لتعزيز التحليلات الشخصية المتعلقة ببقاء الحكومات من عدمها.

إن مجلس الوزراء الذي يُعد جزءًا من السلطة التنفيذية قد أفرد له المشرع الدستوري العديد من النصوص والأحكام المتعلقة بتشكيله ابتداء، ومن ثم ممارسته لمهام عمله ضمن إطار الولاية العامة لمجلس الوزراء، وانتهاء بمسؤوليته السياسية والحالات التي يتم فيها إقالة الحكومة وقبول استقالتها.

إن الركن الأهم من أركان نظام الحكم النيابي البرلماني الكامل يقوم على أساس تقرير المسؤولية السياسية للحكومة بشقيها الجماعية والفردية أمام مجلس النواب. فالمادة (51) من الدستور تنص صراحة على أن «رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، كما أن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته».

ويترتب على المسؤولية الوزارية السياسية أمام مجلس النواب حق المجلس المنتخب في طرح الثقة بالوزارة أو أي من الوزراء فيها استنادا لأحكام المادة (54) من الدستور. فإذا قرر المجلس النيابي عدم الثقة بالحكومة أو أي من الأعضاء فيها بالأغلبية المطلقة من مجموع أعضائه، وجب عليها أو على الوزير المعني أن يستقيل.

إلا أنه وفي ظل غياب مجلس النواب هذه الأيام في عطلته البرلمانية، فإن الرقابة السياسية التي قد تؤدي إلى رحيل الحكومة الحالية تعد موقوفة إلى حين عودة المجلس إلى الاجتماع في دورته العادية الثانية مطلع الشهر القادم. فتكون الحالة الدستورية الثانية التي يمكن أن ترحل بموجبها الحكومة الحالية، وهي بقرار يصدر عن جلالة الملك استنادا لأحكام المادة (35) من الدستور، والتي تعطيه الحق في تعيين رئيس الوزراء وإقالته وقبول استقالته، وفي تعيين الوزراء وإقالتهم وقبول استقالتهم بناء على تنسيب من رئيس الوزراء.

وعلى الرغم من ثبوت الحق الدستوري لجلالة الملك في الطلب من الحكومة الحالية تقديم استقالتها في أي وقت يشاء وتكليف رئيس وزراء جديد باختيار حكومة جديدة، إلا أن هذه السلطة المطلقة يجب أن يتم ممارستها ضمن الإطار الدستوري الأوسع المتعلق بتشكيل الحكومات في الأردن، والنتائج المترتبة على تغيير الحكومة الحالية في مواجهة مجلس النواب.

فأولى الاستحقاقات الدستورية التي ستقع على كاهل الحكومة الجديدة أن تقوم بتقديم بيانها الوزاري إلى مجلس النواب لغايات الحصول على ثقة أعضاء المجلس عليه. وفي هذا السياق، فرض المشرع الدستوري مجموعة من القيود الزمنية والإجرائية التي سيتعين على الحكومة الجديدة التقيد بها لاجتياز امتحان الثقة. فالفقرة (4) من المادة (53) من الدستور تنص صراحة على أنه إذا تشكلت وزارة جديدة وكان مجلس النواب غير منعقد، فإنها تكون ملزمة بدعوة المجلس للانعقاد لدورة استثنائية وتقديم ببيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ تأليفها.

وعليه، فإن الحكومة الجديدة التي ستتألف بعد رحيل الحكومة الحالية يُحتم عليها الدستور الأردني أن تقوم بدعوة مجلس النواب للاجتماع في دورة استثنائية لمناقشة بيانها الوزاري والتصويت عليه، وذلك خلال شهر من تاريخ تشكيلها. وهو الإجراء الذي قد يتعذر القيام به من الناحية العملية، وذلك بسبب صدور الإرادة الملكية السامية بإرجاء الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، ودعوة المجلس إلى الاجتماع في منتصف الشهر القادم.

إن التعارض الذي سيقع بين الاستحقاقين الدستوريين المتمثلين بضرورة تقديم الحكومة الجديدة لبيانها الوزاري خلال شهر من تاريخ تأليفها، وموعد بدء الدورة العادية القادمة لمجلس الأمة والتي لا يجوز إرجاؤها أكثر من شهرين بموجب الدستور، يجعل من أية أقاويل عن قرب رحيل الحكومة الحالية في الأيام القادمة ضربا من ضروب الخيال السياسي.