ما سر رعي الأنبياء للغنم؟

أخبار البلد-

 
قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه و سلَّم: (ما بعثَ اللَّه نبيًّا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه: وأنت؟ قال: نعم، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكَّة) رواه البُخاريُّ
والسُّؤال ما الحكمة من رعي الأنبياء للغنم؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال فغني عن القول أنَّ مهامَّ الأنبياء عليهم الصَّلاة و السَّلام إصلاح النَّاس و هدايتهم من خلال ما كُلِّفوا به من الوحي إضافة إلى قدواتهم الحسنة و كمال تصرُّفاتهم.
لذلك اختار الله لأنبيائه كافَّة مهنة رعي الغنم في فترةٍ من فترات حياتهم كي يتدرَّبوا على الرِّعاية و يحصل لهم التَّمرُّن برعيها ممَّا يؤهِّلهم لقيادة الأُمم في المستقبل، إذ إنَّ في رعي الغنم اكتسابُ صفاتٍ منها:
١- التَّواضع:
رعي الغنم يكسب صاحبها خُلقَ التَّواضع و السَّكينة و الوقار و البعد عن الكِبر و الكبرياء لهذا جاء في الحديث: (الفخرُ و الخَيَلاءُ في أهلِ الخيلِ و الإبلِ والفدَّادين أهلِ الوبرِ والسَّكينةُ في أهلِ الغنم) رواه البُخاري.
٢- الصَّبر: حيث يَخرجُ الرَّاعي بغنمه في الصَّباح الباكر ويعيشُ غالباً في جوٍّ شديدِ الحرارة و لا يجدُ أثناء رعيه سوى شظَف العيش.
كما أنَّ الغنم شديدة التَّفرُّق مختلفةُ الطِّباع، فنتيجة لكلِّ ما سبق يحتاج راعيها إلى بذل جهد و معاهدة و صبر ممَّا يعوِّده على اكتسابِ هذه الصِّفات الحميدة

٣- التَّأمل والتَّفكُّر:عادةً ما يرعى الرَّاعي غنمه في مناطق واسعة و خالية مما يعطيه فرصةً للتَّفكُّر و التَّأمل والتَّدبُّر وصفاء الذِّهن وتقدير الأمور جيِّداً.
٤- التَّخطيط المُحكَم: حيث أنَّ الغنمَ ضعيفة و عرضة للافتراس فهي تحتاج إلى من يختار لها التَّوقيت و المكان المُناسبين لضَعفها، كذلك تحتاج إلى نقلها من مسرحٍ إلى مسرح و إيرادها أفضل الموارد وحمايتها من السِّباع و اللُّصوص و جبر كسرها و الرِّفق بضَعفها وحسن تعهدها و مثل هذه الأمور تحتاج إلى تخطيطٍ دقيقٍ و مُحكَم.
٥- الشَّجاعة و تحمُّل المسؤوليَّة:مِمَا لا شكَّ فيه أنَّ الرَّاعي مسؤول عن حماية الغنم من اللُّصوص و الحيوانات المُفترسة كذلك مسؤول عن حمايَتها من شِدَّة الحرِّ أو البرد القارس أو السُّيول الجارفة أو الأرض المُوحلة و إبعادها عن الأمراض المُعدية...إلخ
وكلُّ ذلك يتطلَّب منَ الرَّاعي أن يكون شجاعاً نبيهاً حاذقاً عالماً بكافَّة أنواع الأخطار و الطُّرق الَّتي يلجأُ إليها.
ومن توفَّرت فيه كلُّ هذه الصِّفات الآنفة الذِّكر يصبحُ لديه القُدرة على تحمُّل النَّاس و رعايَتهم والصَّبر على آذاهم والقدرة على التَّعامل مع أفراد قومه رغمَ اختلاف تفكيرِهم وعقولهم.
كذلك يتحمَّل المسؤوليَّة رغمَ مشقَّتها..كما يحرصُ على الشَّفقة و الرَّحمة و نفعِ الآخرين رغمَ عنادهم، لهذا رعى الأنبياء عليهم السَّلام الغنم.
وأختم بقول العلَّامة ابن حجرٍ العسقلانيِّ رحمه الله بتعليلِ رعيِ الأنبياء للغنم حيثُ قال : (لأنَّهم إذا صبروا على رعيها و جَمعها بعد تفرُّقها في المَرعى و نقلها من مسرحٍ إلى مسرحٍ و دفع عدوِّها من سبعٍ وغيره كالسَّارق و علموا اختلاف طباعها و شدَّة تفرُّقها مع ضعفها و احتياجها إلى المعاهدة ألِفوا من ذلك الصَّبر على الأمَّة و عرفوا اختلاف طباعها و تفاوِت عقولها فجَبروا كسرَها و رفقوا بضعيفها و أحسنوا التَّعاهد لها فيكون تحمُّلهم لمشقَّة ذلك أسهل ممَّا لو كُلِّفوا القيام بذلك من أوَّل وهلةٍ لما يحصل لهم من التَّدريج على ذلك برعيِ الغنم، فيكون الأنبياء عليهم السَّلام على استعدادٍ للرُّقيِّ من سياسة الغنم إلى سياسة الأُمم).