الحكومة وتعديلات الضمان: القرار سياسي

أخبار البلد-

 

من المتعارف عليه أن القرارات التي تؤثر على الحياة اليومية للمواطنين، كانت اقتصادية أو اجتماعية، يتخذها السياسيون، ممن يتحملون مسؤولية إدارة شؤون البلاد، أكانت نتائج قراراتهم إيجابية أم سلبية.
نشير إلى هذه الحقيقة ونذكّر بها، في وقت تقدم مجلس إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي بجملة تعديلات مقترحة على قانون الضمان الاجتماعي، جزء غير قليل منها له تأثيرات سلبية على حياة المواطنين والمشتركين في الضمان الاجتماعي.
من حق القائمين على إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي والخبراء الاكتواريين – المعنيين بدراسة واقع ومستقبل صناديق الضمان الاجتماعي وصناديق التقاعد – تقديم تصوراتهم وتوقعاتهم عن مستقبل هذه الصناديق ومستوى تمتعها بالاستدامة، بل أن من واجبهم فعل ذلك.
بعض التعديلات التي قدمتها إدارة المؤسسة ومجلس إدارتها تمسّ بشكل مباشر مستويات الرواتب التقاعدية للعاملين والعاملات المشتركين في الضمان، وهذه التأثيرات ستؤدي إلى تراجع هذه الرواتب، وبعضها سيرتب عليهم التزامات إضافية بشكل غير عادل.
هذه التعديلات المقترحة بنيت على فرضيتين أساسيتين، الأولى: أن الحكومة لن تساهم بدعم أي من التأمينات الاجتماعية في إطار الضمان الاجتماعي، لا المتعلقة بتوفير التأمين الصحي، ولا لدعم اشتراك العاملين والعاملات بشكل غير منظم ممن لا تنطبق عليهم معايير العامل الذي لديه صاحب عمل.
والفرضية الأخرى تشير إلى أن توقعات الدراسات الاكتوارية، التي لم يطّلع عليها سوى إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي تفيد، كما أفصحت الإدارة عنها، بأن الإيرادات التأمينية للمؤسسة ستتساوى مع نفقاتها التأمينية بعد عقود قليلة.
أمر محمود الالتزام بنصوص قانون الضمان الاجتماعي وإجراء دراسات اكتوارية دورية كل ثلاث سنوات للوقوف على مدى متانة الوضع المالي لصندوق الضمان الاجتماعي واستدامته، وهذا ما تقوم به معظم صناديق الضمان الاجتماعي في العالم.
مسألة عدم رغبة الحكومة بالمساهمة في دعم صندوق الضمان الاجتماعي هي قرار سياسي، وساحة النقاش والمجادلة في هذا الشأن هي ساحة سياسية، على السياسيين في المؤسسات من برلمان وأحزاب سياسية ومنظمات مجتمع مدني ونقابات ونشطاء وفاعلين وغيرهم الانخراط في مناقشة هذه التعديلات.
ولأن سياسات الحماية الاجتماعية شأن سياسي ويعبّر عن خيارات اقتصادية للحكومة، فإننا نفترض أن يكون النقاش قائما على مبادئ قامت دولتنا على أساسها، وتتمثل في قيم العدالة الاجتماعية والمساواة، والحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لأن الاستقرار المستدام لا يمكن له أن يقوم على سياسات تقوض العدالة الاجتماعية وتعمّق اللامساواة الاقتصادية وتوسع دوائر الفقر في البلاد.
ومن هذا المنطلق، أستطيع القول إن العديد من التعديلات المقترحة حاليا على قانون الضمان الاجتماعي وبخاصة تلك المتعلقة باستمرار حرمان الشباب في بعض القطاعات الاقتصادية من تأمين الشيخوخة حتى سن الثلاثين، سيؤدي إلى انخفاض رواتبهم التقاعدية، ما يزيد من معدلات الفقر.
كذلك، فإن تحميل كلفة التأمين الصحي للعاملين والعاملات وحدهم دون أن تتحمل الحكومة والقطاع الخاص أيّ تبعات، باعتبارهم جهات "خالية طرف”، هو أمر غير عادل، ويعبّر عن خيارات اقتصادية غير منطقية، كما أن منح مجلس إدارة الضمان الاجتماعي والحكومة صلاحية وقف العمل بالتأمين الصحي أو زيادة الاشتراكات بأي وقت يعدُّ أمرا لا يقبله عقل راشد. يضاف إلى ذلك، إعادة النظر بالحسبة التقاعدية وإلغاء التقاعد المبكر وزيادة سن التقاعد الوجوبي، بدون اتخاذ إجراءات مسبقة وموازية تؤدي إلى زيادة الأجور بما يجعل الاستمرار في الوظيفة أمرا مجديا ماليا للعامل والعاملة، هذا الخيار في سياسات الحماية الاجتماعية سيؤدي بالضرورة إلى تكريس العمالة الفقيرة والمتقاعدين الفقراء.
وهذا سيؤدي، بالضرورة، إلى ضرب مبدأ العدالة الاجتماعية، وسيعمق اللامساواة الاقتصادية، وسيضر بمستوى حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وسيهدد الاستقرار والأمن الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
هنالك العديد من التعديلات التي يمكن تقديم قراءات نقدية لها، ولكن مساحة المقال لا تسمح بذلك، وعلى الحكومة مراجعة التعديلات المقترحة، والاستماع بجدية إلى آراء الخبراء الوطنيين وأصحاب المصالح وخبراء منظمة العمل الدولية – وهي الجهة التي قامت بإجراء الدراسات الاكتوارية – بشأن هذه التعديلات والتي تحذر من مخاطر الأخذ بها وتطبيقها.