توفيق عكاشة يعود في ثوب معارض يخدم توجهات الحكومة

أخبار البلد - يستعد الإعلامي المصري توفيق عكاشة الذي حقق شعبية كبيرة خلال فترة حكم تنظيم الإخوان للعودة إلى تقديم برنامج "توك شو” بإحدى الفضائيات المحلية التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية في الفترة المقبلة، ليكون رجوعه هذه المرة الأول بعد إغلاق قناة "الفراعين” بسبب مخالفتها مواثيق العمل الإعلامي قبل نهاية العام 2013.

وتتضمن العودة الجديدة لعكاشة عرض قضايا تخص الداخل المصري وربطها بالأحداث العالمية، وتعريف المواطنين بما يحدث في الخارج بصيغة تتناسب مع الملايين من البسطاء الذين أعجبوا من قبل بأسلوب الحكي الذي تبناه عكاشة.

وتبرهن هذه الصيغة على أن المسؤولين عن ملف الإعلام أدركوا خطورة عدم وجود وجوه تملك قابلية للتأثير على فئات بسيطة يمكن أن تسهل عليها مهمة تعريفهم بما يجري في الخارج، مع ارتفاع معدلات الأمية وسط تلك الفئات وفقدانها الثقة فيما يتم طرحه عبر وسائل الإعلام بوجه عام وانشغالهم فقط بمعاناتهم اليومية وكيفية التغلب على ما يواجهونه من صعوبات.

ورغم أن عكاشة لم يحقق الشعبية المرجوة مع عودة برنامجه "مصر الآن” على فضائية الحياة منذ عامين وتم وقفه، إلا أن ذلك لم يمنع من الاستعانة به مجدداً استنادا على شعبيته السابقة.

كما أن عودته هذه المرة مصحوبة بقدر من الانفتاح الداخلي يصب في صالح مذيع يتبنى مواقف تثير الجدل، وقد يلعب دور المعارض الذي يخدم توجهات الحكومة.

لكن خبراء استبعدوا أن يحظى عكاشة، المعروف شعبيا بـ”العوكش” سخرية أو محبة له، ببريق إعلامي، لأن الأجواء العامة تغيرت، والهموم الاقتصادية والاجتماعية أصبحت أكبر من أن يخفف منها برنامج ولو كان "العوكش” يقدمه.

وقد انعكس تراجع شعبية العديد من مذيعي "التوك شو” سلبًا على قدرة الحكومة في إقناع المواطنين بأن ما تمر به من مشكلات اقتصادية ليس نتاج أزمات داخلية لكن له ارتباط أيضَا بتغييرات خارجية وأزمات مالية وغذائية يواجهها العالم، وبدت تبريرات الإعلاميين لا تلقى قبولاً مع التركيز فقط على الإنجازات طيلة السنوات الماضية.

ولم يحقق الصوت المرتفع من جانب بعض المذيعين الذين يرون أن خطاباتهم تؤثر في الفقراء نتائج مرجوة مع التململ الحاصل من الأوضاع الاقتصادية، ما كان دافعًا نحو البحث عن وجه له قدرة على استخدام لهجة قريبة من البسطاء ومفاهيم دارجة لسد الفجوة الآخذة في الاتساع مع عزوف قطاعات عديدة عن مشاهدة وسائل الإعلام المحلية والاكتفاء بوسائل التواصل الاجتماعي أو متابعة فضائيات عربية.

ويثير عكاشة الجدل من وقت لآخر بسبب مواقفه السياسية أو أزمات شخصية تصبح مثار اهتمام وسائل إعلام محلية، ما جعله قريبا من دائرة الضوء من باب المشاكل.

وتسببت واقعة استقباله السفير الإسرائيلي في مصر حاييم كورين بمنزله في الدقهلية في فبراير 2016 في إسقاط عضوية عكاشة في البرلمان، وأحدثت شرخاً لم يستطع ترميمه مع قطاعات شعبية تتعامل مع التطبيع كخط أحمر لا يجب تجاوزه.

ومنعت السلطات المصرية في بداية العام الجاري توفيق عكاشة من السفر بسبب أحكام قضائية تتعلق بالنفقة التي تطالب بها طليقته قبل أن تقرر إخلاء سلبيه.

وقبل ثلاثة أعوام قضت محكمة بحبسه بتهمة تزوير شهادة دكتوراه قدمها أثناء ترشحه لمجلس النواب، لكنه حصل على البراءة لعدم حصوله على ميزة من وراء الشهادة المزوّرة، لأن الشهادة الجامعية التي حصل عليها كانت تكفي للترشح وفقا للقانون المصري.

وقال أستاذ الإعلام السياسي بجامعة القاهرة صفوت العالم إن التذبذب في حالة الرضاء عن عكاشة أو عدمه من جانب جهات مسؤولة عن ملف الإعلام يخلق المزيد من الجدل حوله قد لا يكون في صالحه أو في صالح إقناع البسطاء بجدوى الرسالة التي سيقدمها، لأن عودته ترتبط بشائعات تطال زوجته وابنه، وانفعالاته الشهيرة قد لا تجد أصداء حاليا، كما كان في الماضي وربما تجعله فاقداً لدوره ومصداقيته.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الإعلام المصري يمر بمشاكل عديدة نحو الوصول إلى الجمهور المستهدف، واستخدام الصوت المرتفع من قبل مذيعين آخرين ومحاولات نسخ الأسلوب الذي استطاع به عكاشة تشكيل قاعدته الجماهيرية لم يحقق نفس النتائج بسبب المبالغات التي اعتاد عليها الكثير من الإعلاميين.

وأشار صفوت العالم إلى أن المشكلة تكمن في أن برامج "التوك شو” تتسم بالتعالي وتلجأ إلى الأسلوب الدعائي، وهذا الشكل من الإعلام لا ينفع الجمهور المستهدف من البسطاء، والحالة المصرية بحاجة إلى إعلام يقدم رسالة مفهومة للمستهدفين من خلال مصطلحات بسيطة لا تبالغ في تعظيم الحكومة أو تهوّل من خطر معارضيها.

وأدى تجاهل التلفزيون الرسمي للدولة وتراجع قيمة المحتوى الذي يقدمه وكان يصل إلى القرى الفقيرة والنجوع ويؤثر في المواطنين هناك، إلى زيادة أزمات الحكومة التي ركزت في إستراتيجيتها على الإعلام الموجه إلى الطبقات المتوسطة والعليا، وتركت فجوة كان يسدها الإعلام الخدمي ما جعلها أمام مأزق إقناع المواطنين بالأزمات.

ويتسبب غياب الدراسات التي توضح ماهية الرسائل الإعلامية التي يحتاجها البسطاء في صعوبة تقدير حجم المكاسب والخسائر التي يقود إليها برنامج أو مذيع معين.

العودة الجديدة لعكاشة تتضمن عرض قضايا تخص الداخل المصري وربطها بالأحداث العالمية، وتعريف المواطنين بما يحدث في الخارج بصيغة تتناسب مع الملايين من البسطاء

وإذا ارتبطت عودة توفيق عكاشة بنفس الخطاب السابق الذي كان يسلط الضوء فيه على جرائم تنظيم جماعة الإخوان ومؤامراتهم ضد الدولة المصرية لن يلقى قبولاً بعد أن تراجعت قوة الجماعة ولم يعد لها حضور أو تهديد على الأرض.

وتشير عودة "العوكش” في الوقت الذي تبنى فيه الإعلامي المقرب من الحكومة نشأت الديهي مبادرة لدعوة أحد معارضي الحكومة البارزين وهو يحيى حسين عبدالهادي لطرح رؤيته المعارضة لبيع أصول الدولة والرد عليه من جانب جهات حكومية، إلى مساعي الجهات القائمة على إدارة الإعلام المصري بإحداث حالة من التغيير على الخطاب الذي جرى الاعتماد عليه في السنوات الماضية.

ويبدو أن عودة عكاشة تحمل رغبة جناح في الدولة المصرية يريد تقديم خطاب شعبوي يصل إلى قطاعات رافضة للإعلاميين الحاليين مع إتاحة قدر من الحرية يساعد على استيعاب قدر من الانفتاح كي لا يصبح شكلا فقط فيفقد هدفه.

ويتماشى ظهور عكاشة المتوقع مع تغييرات جديدة في مواقع قيادات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، حيث أعلن عمرو الفقي الرئيس التنفيذي والعضو المنتدب للشركة مؤخراً تعيين ألبرت شفيق رئيسا لقطاع التلفزيون، وخالد مرسي رئيسا لشبكات أون، ودينا كريم رئيسة لقطاع التوزيع، ومنتصر النبراوي رئيسا لمجلس إدارة شركة المصريين أوت دوور، وحسام صالح رئيسا تنفيذيا للأعمال.