حادثة اللويبدة وأخلاقيات النشر

أخبار البلد-

 

في حادثة تهاوي عمارة سكنية في منطقة جبل اللويبدة العريق في العاصمة الحبيبة عمان، تشكلت علامة فارقة في حياة الأردن والأردنيين وتركت ندبة ألم كبيرة في مئوية الدولة الجديدة، وتحديا جديد أمام طموحات كبيرة للدولة التي نريد، كان الإعلام بلا أدنى شك ناقلًا للألم وللأمل في آن واحد، كان النابض بحديث الشارع الأردني، والمتيقظ لأي مستجدات والوفي لحق الجمهور في نقل الحقائق والأراء ولحظات العمل والكدّ والتعب

هذه الصورة المشرقة لا تخلو من بعض التجاوزات الاعلامية التي تخطت آلام الناس أو استثمرتها بما يحقق سبقًا هنا أو مادة وعناوين جاذبة لجمهور القراء أو المشاهدين والمستمعين في مواد لم تكن قيمة مضافة للمحتوى الاعلامي ولخدمة القضية والبحث عميقًا في جذور الحادثة التي وقعت وكيف يمكن تجنب مثيلاتها مستقبلا، بقدر ما كانت مواد تثير عاطفة المتلقين والتي سرعان ما تهمد وتعود لطبيعتها، وتجيش في الوقت ذاته مشاعر الناجين واسرهم وتعيد لهم التجربة مرارا وتكرارا دون ادراك نتائج هذه الافعال على صحتهم النفسية، وعدم الأخذ بعين الاعتبار أنهم ما يزالون تحت تأثير الصدمة ومراحلها الأولية

في تصريح سابق لمرصد مصداقية الاعلام أكيد، هذا المرصد المهم والذي يعد تجربة رائدة في الاشارة الى مواطن الخلل والمخالفات المتعلقة بالمحتوى الاعلامي بصورة عامة، كنت قد أشرت في تصريحات سابقة على اكثر من مادة اعلامية تضمنت مخالفات مختلفة الى بعض النقاط أبرزها أن اظهار حالة الضعف الانساني والتطاول على حرمة الحياة الخاصة للأفراد تشكل انتهاكات ومخالفات في الوقت ذاته نظرا لمساسها بجوهر الكرامة الانسانية، وأنه وفي حال وجود مصالح متعارضة في عملية النشر فإن المادة الاعلامية يتوجب ان تخضع لاعتبارات القيمة المضافة مع وجود محددات عديدة على التعامل مع الافراد تحت تأثير حالة الضعف او الصدمة هذه، وهو الامر الذي تؤكده مواثيق الشرف الاعلامي والصحفي وقبل ذلك الدستور الاردني والتشريعات ذات العلاقة، الا أنه وبالرغم من ذلك وبالرغم من وجود جهات اخذت على عاتقها تتبع وسائل الاعلام وما ينشر عبرها وصولا للارتقاء بالمحتوى المعروض الا أن المخالفات ذاتها ما تزال تتكرر

في سياق متصل وبصفتي عضوًا في لجنة شكاوى الإعلام المشكلة بموجب قانون الإعلام المرئي والمسموع رقم26 لسنة 2015م -والتي تنظر في الشكاوى المقدمة من الجمهور او أي جهة أخرى متعلقة بالمحتوى الاعلامي او المواد المبثوثة او المسجلة لغايات العرض او تداول الجمهور او من مرخص له على مرخص له آخر- تتلقى اللجنة شكاوى تتعلق في غالبيتها العظمى بمخالفات المحتوى الاعلامي المقدم للاخلاقيات والقواعد المهنية والتشريعات الوطنية ذات العلاقة والمعايير الدولية لحقوق الانسان

كلّ هذا وذاك يستدعي وقفة مطولة أمام الاسباب الكامنة وراء هذه المخالفات ودراسة مدى الحاجة الى الارتقاء بالمحتوى الاعلامي من خلال رفع الوعي بأخلاقيات النشر والقواعد المهنية التي يتوجب ان تحكم العمل الاعلامي والسعي والدفع بخطوات ثابتة نحو تنظيم ذاتي للصحافة والاعلام حتى لا تشكل هذه المخالفات وسيلة لفرض قيود جديدة على حرية الصحافة والاعلام