أداء الحكومات... كيف يخدم مصداقية مؤسسة الحكم ويستفيد منها?


العناد والمماطلة... هدية ثمينة للمستفيدين من الوضع الراهن



قاسم مشترك في كل اللقاءات التي عقدها الملك في واشنطن مع اركان الادارة الامريكية والكونغرس وغرفة التجارة والمنظمات العربية والاسلامية,تلك الثقة والتقدير والاحترام للملك ومساره القيادي, وهي مواقف لا تحمل مجاملة, لان كل تلك الجهات ليست مضطرة لتمارس مجاملة او »إنفاق« مدائح لنا...

وفي العديد من اللقاءات, ومنها ما كان مع اوباما ولجان الكونغرس وغيرها, كان الطلب من الملك ان يقدم رأيه وتقييمه ونصيحته حول الواقع العربي وسبل التعامل معه, وكان هناك تقدير عال لما تم في الاردن على صعيد الاصلاحات السياسية وتحديدا التعديلات الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات, وكل هذا ايجابي لا يتوفر في قيادات عربية كثيرة خاصة في هذه المرحلة الصعبة, وكثيرا ما سمعنا في العديد من اللقاءات مصطلح »الحكمة« في وصف القيادة الاردنية, والحكمة نعمة من الله تعالى, وهي من القدرات الدائمة التي تحتاج الى بنية نفسية واخلاقية فضلا عن القدرات الفنية لدى من يمتلكها.

ما سبق ليس عملية تسويق او مديح للملك, بل محاولة لنقل واقع سياسي , لكن هذا الواقع بكل ابعاده الايجابية له جانب آخر هو المسؤولية التي تتحملها الحكومات في الحفاظ على هذه المكانة والتقييم الايجابي لمسار الدولة وقيادتها..

ليس هناك شك في جدية ومصداقية مؤسسة الحكم في انجاز عملية اصلاح, لكن واجب الحكومات في ان تكون هناك ترجمة عملية للجدية في خطوات عملية, لاننا لا نملك ترف اضاعة الوقت, ليس فقط في الحفاظ على مصداقية الدولة بل الاهم امام شعبنا, ولأن إدارة الوقت جزء من كفاءة اي حكومة, وما تم انجازه حتى الآن تم بديناميكية الملك, ومثال هذا التعديلات الدستورية التي كانت خطوة كبيرة, وحتى عندما سلمت اللجنة نتائج عملها في رمضان كان تأكيد الملك ان اقرار التعديلات سيتم خلال شهر, وكانت استجابة مجلس الامة ايجابية في العمل الدؤوب وخدمة الاصلاح, وربما لو كان الامر ادارة حكومية لكنا حتى الان لم ننجز هذه الخطوة.

والمثال السلبي هو قانون الانتخابات الذي انجزت لجنة الحوار مقترحا تسلمته الحكومة السابقة قبل أشهر طويلة وانتقل الى الحكومة الحالية, وما زالنا حتى اليوم لا نعلم ما هو النظام الانتخابي الذي سيخرج, وهي مماطلة تصل الى حد »العناد«, والمبرر الحرص على »جودة« العملية الانتخابية, مع ان الوقت الذي يضيع تتم فيه عملية تخدم الانتخابات النزيهة وليس تأجيلا لا يخدم استقرار الدولة.

الصورة الزاهية لمصداقية مؤسسة الحكم يجب ان تكون مترافقة مع ديناميكية من الحكومات, فالأمر ليس »عنادا« شخصيا او فرض وجهة نظر, بل انجاز مشروع اصلاحي, وعلينا ان نعترف ان الوقت وتضييعه ليس في مصلحة الدولة ولا يخدم الاستقرار العام, بل انه يُثير اسئلة حول الجدية وهذا بحد ذاته خسارة كبيرة وتضييع لكنز سياسي لا يملكه غيرنا.

وعلينا ان لا ننسى ان هناك قوى, حتى من التي تدعي مطالبتها بالاصلاح, معنية باستمرار حالة انصاف الخطوات وعدم الوصول الى نهايات منتجة ومقنعة تحقق الاصلاح الآمن وبالحدود التي تخدم استقرار الدولة والاصلاح..

من يقترب من مشهد التقييم الرفيع للملك ومصداقيته في عواصم العالم يشعر بالحاجة الماسة الى ان يكون اداء الحكومات منسجما مع هذا الاداء, وان تكون المسارات العامة في خدمة الاداء السياسي لمؤسسة الحكم, هذا ما نحتاجه بشكل ملح في الخطوات القادمة لعملية الاصلاح.

وفي مسار آخر فان ما يمكن ان تسمعه من دوائر صنع القرار الامريكي تجاه القيادة الاردنية يجعلنا بحاجة ماسة الى دعوة بعض »النخب« او الاشخاص الذين يمارسون التحريض على بلدهم في اروقة السفارات او خلال لقاءاتهم مع موظفين في مؤسسات مجتمع مدني امريكي او الخارجية الامريكية ممن لديهم مداخل على »التمويل«, ندعوهم الى الرأفة ببلدهم وهم يقدمونها وكأنها بلد شيطاني غارق في الظلم والتمييز والقمع..

وفي الوقت نفسه ندعو انفسنا الى عدم المبالغة في تقييم عمليات التحريض وان نضعها بحجمها الحقيقي ووزنها المحدود, وان كان هذا لا ينفي وزنها الاخلاقي الكبير في تعامل البعض مع بلده, وتحريض الخارج عليه.