المباني القديمة وقانون حماية التراث العمراني

أخبار البلد-

 

جاء قانون حماية التراث العمراني والحضري رقم (5) لسنة 2005 بهدف حماية المباني التراثية التي تعكس التاريخ الحضري والإنساني في مختلف مناطق المملكة، وصدرت بضوئه أيضا مؤخرا عام 2021 الأسس والمعايير التي تحدد بموجبها مواصفات المباني التراثية التي ينظمها هذا القانون.

عمان وبخاصة القديمة منها كغيرها من المحافظات تحتوي على عشرات بل مئات المباني التراثية القديمة التي تعكس عبر التكوين العمراني والهندسي والفني مشهدا إنسانيا وطابعا سكانيا شهد أحداثا تاريخية شكلت تاريخ المملكة الحديث وملامحها الاجتماعية والحضارية بين تلك المباني وحاراتها القديمة.

وإن كانت «حادثة عمارة اللويبدة المؤسفة» بديهيا أعادت الحديث عن المباني القديمة في العاصمة عمان والمحافظات، فلا بد ان نتحدث عن الجهة المسؤولة عن متابعة تلك المباني وحالتها، وهي وفقا لقانون حماية التراث العمراني والحضري وزارة السياحة ومديرياتها بالتعاون مع أمانة عمان والبلديات، ولا بد للحديث عن المعيقات التي تمنع مالكي تلك المباني القديمة من ترميمها وتحسين أوضاعها وصيانتها في ظل منع القانون لهم من التصرف من تلقاء أنفسهم.

يبدو من الوهلة الأولى أن هذا القانون عصري وحضاري ومميز بنصوصه التي جاءت شاملة وتناولت كل التفاصيل التي يمكن ان تتعلق بحماية ذلك التراث الإنساني العريق–وهو كذلك بالفعل–ولكن يبدو للأسف أنه غير مفعل على أرض الواقع أو هذا ما يبدو على الأقل.

المتعمق بتفاصيل نصوص القانون يقوده اعتقاد شبه مؤكد أن من سيستفيد من هذه النصوص هم الملاك الذين يملكون المال الكافي لحماية عقاراتهم القديمة التي يسري عليها مبدأ «حماية التراث العمراني والحضري» وهم بواقع الحال قلة قليلة فأغلب مالكي تلك المباني هم ورثة لأجداد بنوا تلك المباني وآلت لهم بعد جيل أو اكثر ولا يملكون حق التصرف بحرية بها إما لكثرة عدد الورثة أو لخلاف بينهم أو لعدم ملاءتهم المالية، وهو العائق الأكبر.

ناهيك عن أن هذا القانون يمنع أصلا أصحاب العقار من التصرف به أو تغيير ملامحه بغية صيانته دون الرجوع للجهة المختصة وهي كما ذكرنا البلديات أو الأمانة بالتوازي مع السياحة.

حيث اشترط القانون تشكيل لجان للإشراف على تلك المباني وفحصها وتقديم المشورة الهندسية والعمرانية والفنية لمالكيها بغية الحفاظ عليها من خلال ترميمها.

وقد تكون المادة الخامسة من القانون مخرجا لمالكي العقارات غير الميسورين حيث نصت الفقرة (ج) منها على «العمل على توفير الأموال اللازمة لأعمال الترميم وإعادة الإعمار للمواقع التراثية وما حولها، وتقديم التعويض العادل لاصحابها وتشجيعهم على الحفاظ على المباني العائدة لهم»، وشددت الفقرة د من ذات المادة على تكليف مختصين لهذه الغاية «الترميم والصيانة» وفقا للأسس والمعايير المعتمدة.

بل ونص القانون على ضرورة إنشاء صندوق تابع لوزارة السياحة والآثار يمنح قروضا ومنحا لأصحاب المباني التراثية لترميمها وصيانتها.

وهو أمر مستحب بل ومنح القانون أيضا امتيازات مهمة مثل إعطاء المالك شهادة قدم عقار وليس رخصة مهن، وبالتالي يمكن استخدامه لغايات تجارية، وإعفاء مالكي العقار من ضريبة الدخل المتأتي عن استثمار العقار، ولكنه أبقى على ضريبة المسقفات والمعارف وهي العبء الأكبر على المالك.

وفي مفارقة طريفة أنه اشترط على من لا يستطيع دفع تلك الضرائب إغلاق منافذ العقار بالطوب لإثبات ان العقار غير مشغول وهنا الطامة الكبرى إذ يعد ذلك اعتداء صارخا على شكل المبنى التراثي وقد يسبب انهيارا وخرابا للمبنى في حال من قام به غير مطلع على النمط العمراني القديم الذي يختلف اختلافا جذريا عن الأنماط الحديثة!.

وفي نص إيجابي أيضا ولكنه غير مطبق بشكل كبير يمنع استخدام المباني التراثية لمنشآت صناعية «كالحدادة والنجارة... وغيرها» ولكن في جولة بسيطة في عمان القديمة أو حتى مدن أخرى في المملكة نجد غالبية المستأجرين في المباني التراثية والقديمة هم حرفيون مخالفون لنص القانون بشكل صريح فغالبية تلك المباني مصنفة تجارية مما يدفع الطمع أحيانا اصحابها لتوسعتها أو تغيير ملامحها للاستفادة القصوى من تلك الميزة لكنهم لا يعلمون أنهم يرتكبون مخالفة للقانون بل جريمة بحق تراثنا العمراني والإنساني والحضاري.

عطاف الروضان

مرة أخرى مشكلة المباني المتهالكة ومن ينطبق عليها «أنها تراثية وحضارية» يمكن حلها ببساطة بتفعيل الرقابة عليها ونصوص القانون لخدمتها وصيانتها والحفاظ عليها وعدم هدمها «إذ يحظر القانون ذلك» وهو بذلك يحافظ على إرث حضاري للمدن وتوثيق تاريخها ونحن بأمس الحاجة لذلك ونحن على أعتاب المئوية الثانية من عمر المملكة، وفوق كل ذلك نضع خطة استراتيجية احترازية لعدم تكرار مآسي انهيار المباني وفقدان ضحايا أبرياء جرائها.

رحم الله أرواح ضحايا «عمارة اللويبدة» وشفى الله المصابين و دعوانا ان لا تتكرر تلك الحوادث مطلقا.