ليبيا وجماعة الإخوان تسبقان استثمارات الدوحة في مصر

أخبار البلد - يهيمن الملف الليبي وموقف الدوحة من جماعة الإخوان المسلمين على الزيارة التي بدأها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى قطر الثلاثاء، حيث يسبق الملفان، حسب متابعين، التعاون الاقتصادي واستثمارات الدوحة في مصر.

وتبدو الزيارة في ظاهرها معنية بالاستثمار وأهميته بالنسبة إلى مصر، غير أنها تنطوي على رغبة في التعرف على موقف الدوحة من بعض القضايا الحيوية، فالاستثمار القطري لم يتوقف في مصر والخلافات بين البلدين في أوجها.

وصمدت استثمارات قطر أمام العواصف السياسية والإعلامية ولم تهتز كثيرا بسبب القطيعة العربية التي شاركت فيها مصر مع السعودية والإمارات والبحرين، وبدأت صفحاتها تطوى تدريجيا مع انعقاد قمة العلا الخليجية في يناير من العام الماضي.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير حسن هريدي إن زيارة السيسي تكرس قواعد المصالحة بين البلدين في إطار قرارات قمة العلا وتفتح أفقا للعلاقات بينهما تعتمد على التنسيق والتشاور السياسي في ملفات عربية مختلفة.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن ملف العلاقات الثنائية وإزالة الشوائب التي تعترض التطبيع على رأس أولويات السيسي، إلى جانب التشاور لمنع التصعيد السياسي في ليبيا على أن يكون ذلك في دائرة الإطار العربي، والتنسيق لتهدئة التوترات في سوريا، والإعداد لمناقشة بعض الملفات المعروضة على القمة العربية المرتقبة في الجزائر.

وأشار إلى أن هناك ميلا مصريا لتجاوز ملف الإخوان المسلمين وتحييد الجماعة كي لا تكون عائقاً لتطوير العلاقات مع قطر في ظل تصاعد الأزمات التي تجابهها المنطقة، وأن فترة القطيعة السابقة وفرت معطيات يحاول الطرفان استيعاب دروسها.

ويريد الرئيس المصري معرفة حدود التدخلات السياسية للدوحة في الأزمة الليبية التي يعاد ترتيب أوراقها، حيث أخذت الدوحة تضاعف من وتيرة علاقاتها مع العديد من الأطراف في وقت تراجع فيه الاهتمام الدولي بتسوية هذه الأزمة.

ويرجح متابعون للشأن السياسي في ليبيا أن تكون قطر وراء التصعيد الأخير الذي قامت به مجموعات مسلحة في طرابلس لصالح رئيس الحكومة الموازية فتحي باشاغا المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، في حين يحسب رئيس الحكومة عبدالحميد الدبيبة على تيار "المقاتلة” الذي يدين بالولاء لتركيا.

واستقبلت الدوحة خلال الأيام الماضية الدبيبة، ثم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح الداعم للحكومة الموازية، وغير مستبعد الترتيب لاستقبال باشاغا، ما يوفر إشارات إلى أن الدوحة تجهّز طبخة جديدة بشأن وساطة قد تقوم بها قريبا بعد بلورة ملامحها السياسية.

ولم تسفر التحركات التي قامت بها القاهرة لإيجاد حل للأزمة الليبية في مجالي توحيد المؤسسة العسكرية واللجنة الدستورية عن تطورات تنهي الانقسام بين القوى المختلفة وتهيّئ الأجواء لمصالحة تفتح الطريق أمام إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.

وقامت تركيا بفتح قنوات تواصل أخيرا مع أطراف ليبية في الشرق والغرب، واستقبلت قيادات من مشارب متعددة، ووجدت تجاوبا منها تمهيدا لقيادة الدفة السياسية في الفترة المقبلة، مستفيدة من وجودها العسكري المستمر في طرابلس وعلاقاتها القوية بالمرتزقة والميليشيات المسلحة ورغبتها في الاستفادة من الفراغ الدولي الراهن.

ولا تريد القاهرة مواجهة أنقرة سياسيا مباشرة وتجد في المشاورات التي تجريها الدوحة حاليا مع أطراف ليبية فرصة لضرب تحركات تركيا وإفشالها بخطوة موازية تقوم بها قطر، ويمكن أن تعمل مصر على تشجيعها في هذه المرحلة لمنع انفراد أنقرة بالسيطرة على المفاصل السياسية للأزمة الليبية.

وتصب زيارة السيسي إلى قطر في هذا الاتجاه للتعرف عن كثب على الخطوط العريضة للأجندة القطرية في ليبيا، فلا تزال القاهرة تتملكها هواجس من علاقة قطر بتيار الإسلام السياسي في المنطقة، وهي الحلقة المفقودة أو التي تم غض الطرف عنها في كل معالم التقارب الذي حدث بين القاهرة والدوحة.

وبدت هذه الحلقة مغيّبة في المناقشات المعلنة بين الجانبين، وظهرت قطر وكأنها لم تقدم تنازلا كبيرا في هذا الملف الحيوي بالنسبة إلى القاهرة، حيث لا تزال تحتضن قيادات إسلامية مصرية، وإن كانت خففت من لهجة الانتقادات على شبكة الجزيرة، لكنها موجودة على شبكة التلفزيون العربي الذي انتقل مقره مؤخرا من لندن إلى الدوحة.

ويشير هذا الموقف إلى أن أيّ مقاربة سياسية من جانب قطر في الأزمة الليبية قد تحمل التفافا يصب في صالح جماعة الإخوان، والتي تمثل فروعها العربية إزعاجا لنظام مصري يحرص على فهم أبعاد تحرك الدوحة في ليبيا ومدى توظيفه من قبل الإخوان.

وإذا صحت هذه الإشارة، فإن الجماعة الأم في مصر قد تجني مكاسب سياسية، لأن الاستدارة القطرية في ليبيا لن تحدث دون حصولها على تأييد ومباركة من الإدارة الأميركية التي لم تفقد حماسها لدعم تيار الإسلام السياسي في مصر، وما حملته تلميحات متقطعة للضغط على القاهرة في مجال حقوق الإنسان وفتح الباب أمام الحريات العامة بذريعة تمكين المجتمع المدني ودعم الديمقراطية في مصر.

ونشطت وسائل الإعلام التابعة لجماعة الإخوان في ممارسة ضغوط على النظام المصري من بابي الأزمة الاقتصادية والحريات، وظهرت شخصيات ولاءها معروف أنه تابع لقطر وقنواتها تمارس هذه الهواية بإسراف، ما يعني أن الدوحة لا تزال قابضة على ورقة الإخوان التي ينفي الرئيس السيسي مرارا التفكير في مصالحة معها.

ويسعى الرئيس المصري خلال القمة التي يعقدها الأربعاء مع الشيخ تميم بن حمد إلى وضع النقاط على  الحروف في ملفي ليبيا والإخوان ثم طبيعة الاستثمارات، ما يخرج زيارته من الأطر البروتوكولية التقليدية إلى مجال فسيح يتطرق لأول مرة بصراحة إلى قضايا شائكة تركها الجانبان لتراشقات وسائل إعلام تابعة لكليهما.

وتحدد نتائج هذه الزيارة الشكل الذي يمكن أن تصبح عليه العلاقة بين القاهرة والدوحة في الفترة المقبلة، وإذا نجحا في تفكيك الكثير من الألغام الثنائية التي تعترض تطوير هذه العلاقة فسوف تبقى ألغام أخرى شديدة الانفجار تخص الآلية التي سوف تعتمد عليها مصر في إحداث توازن بين تحالفاتها الإستراتيجية مع كل من السعودية والإمارات.