تعديل المزاج العام ضرورة ومظاهرة (أصابع اليد الواحدة) لم تفسد أجواء واشنطن

امريكا .. قلق على الاقتصاد المصري .. حيرة في الملف السوري وسلبية تجاه الملف الفلسطيني

سميح المعايطة - واشنطن

قبيل زيارة الملك واشنطن تناقل الكثيرون رسائل واخباراً الالكترونية حول مظاهرة سينظمها معارضون في الخارج امام البيت الابيض احتجاجاً, وربما انتظرها الكثيرون ليروا شيئاً يتناسب مع الضجيج الالكتروني, فكانت الصورة صباح الثلاثاء ليافطة حولها عدة اشخاص رسالة واضحة بأن الضجيج الالكتروني كان أكبر بكثير من واقع الحال, وان الاردن بلد انساني لا يجد فيه اي معارض حرجا في التعبير عن رأيه, وليس بحاجة الى الاستعانة بساحات خارجية, فما يمكن ان يقوله الأردني في الخارج يمكنه قول اضعافه في اية مدينة اردنية.

ومن المؤكد ان »مظاهرة اصابع اليد الواحدة« لم تكن هكذا لأنها تعرضت لقمع من »قوات الدرك« في واشنطن بل لأن اي اردني لا يحتاج الى الاستعانة بأية ساحة او اعلام او جهاز مخابرات اجنبي حتى يعبر عن مواقفه.

ما نقوله لا يعني أننا بلد »ختمنا العلم« بل لدينا مشوار فيه الكثير من المهمات والتحديات, ورغم كل ما نطالب به من تسريع الخطوات الاصلاحية الا أننا نسير على طريق الاصلاح الآمن النظيف الخالي من الدم, وهذا امر نفتخر به.

ومن ساحة البيت الابيض الى المكتب البيضاوي حيث لقاء الملك مع الرئيس اوباما, ومحصلته نجدها في التصريح المشترك للزعيمين حيث الاشادة والاعجاب من الادارة الامريكية بنهج الملك, وهي اشادة, الرئيس الامريكي ليس مجبراً أن يقوم بها, والاشادة العملية هي ان جزءاً مهماً من وقت اللقاء كان اسئلة وجهها الرئىس اوباما للملك عن تقييمه ورؤيته لعدد من الملفات, وهذا تعبير عن ثقة بالرأي ووجهة النظر الاردنية وموضوعيتها ورشدها.

وما هو واضح في العاصمة الامريكية ان الادارة الامريكية ليست معنية بخوض معركة المعارضة السورية عسكريا, وهناك سؤال لم يحسم في عواصم القرار الدولي حول مرحلة ما بعد نظام الأسد, ولهذا فالموقف ليس في طريقه للتطور نحو الخيار العسكري كما كان الحال في ليبيا او العراق.

»الخيار العسكري مصيبة« جملة تختزل رؤية عدد من عواصم القرار, ولهذا فالانتظار احد اهم الخيارات, وهذه الحملة تنسحب ايضا على فكرة التدخل العسكري العربي, فاذا استطاعت المعارضة السورية حسم معركتها مع النظام فالعالم سيكون سعيداً, فالأمر سيبقى كما هو.

وفي واشنطن هناك قلق كبير على مصر, قلق ليس من فوز الاسلاميين بل على الاقتصاد المصري الذي يعاني كثيراً وقد يصل الى مرحلة الانهيار نتيجة توقف قطاع السياحة تقريبا, وتناقص الاحتياجات النقدية وضعف عملية الانتاج والتصدير, اما الملف السياسي فلا يبدو مقلقاً, وقدوم الاسلاميين ليس سؤالا صعبا في واشنطن على عكس ما كان يوم فازت حماس في مناطق السلطة الفلسطينية, فالربيع العربي يفرض على العالم احترام خيارات الناس وخاصة في ظل المرونة الكبيرة التي يظهرها اخوان مصر مع المخاوف الامريكية.

اما الملف الفلسطيني فان ادارة اوباما تظهر تقديرا للدور الاردني, وهناك شكوك امريكية حول جدية نتنياهو وحكومته, لكن الادارة الامريكية وهي تدخل عام الانتخابات, لها حسابات مع اللوبي الصهيوني, ولهذا فليس متوقعا ان تتغير مكانة المفاوضات على الاجندة الامريكية, ولا حتى ممارسة اية ضغوط ولو اعلامية على حكومة نتنياهو بما يخدم تسريع عملية التفاوض.

زيارة واشنطن بكل ما حملت من اجواء سياسية ايجابية من ادارة اوباما تجاه الاردن لم تكن سعيا اردنيا للحصول على شهادة حسن سلوك للاردن من الادارة الامريكية ولم تحمل اي ضغوط او مطالبات, بل ان الرئيس الامريكي تحدث الى الملك طالبا تفاصيل عن خارطة الاصلاح الاردنية ليقدمها لدول اخرى كوصفة , فالملك كما قال اوباما كان سباقا ومبادرا في هذا المجال.

لكننا ومع كل التقدير لهذه الجوانب الايجابية لن نغمض أعيننا عن واجباتنا, فتتويج الاصلاح بانتخابات نزيهة وفق قانون توافقي خطوة لا بد منها, ولا مبرر لاي تأخير او »طول بال«, والجودة في العمل لا تعني المماطلة والتأجيل بل الانجاز الراشد.

نحتاج في بلادنا الى خطاب متزن لا يفقدنا روح الامل لمصلحة الاحباط واليأس, خطاب يرى الفساد ويحاربه, لكنه يرى الشرفاء والانجاز, ونحتاج الى اداء سياسي حكومي يجنبنا صناعة الازمات ويوجه انظار الناس نحو الصورة بشموليتها, ويجد حلولاً رادعة لفكر الابتزاز السياسي والاجتماعي ايا كان مصدره.

نحتاج الى تعديل المزاج العام ليكون اكثر تفاؤلا واقل حدة, لا نريد مديحا وتطبيلا بل انحيازاً للرشد والموضوعية والمزاج المعتدل ليس مسؤولية المواطن فقط بل مسؤولية الاداء العام ايضا.