قلق أوروبي من تداعيات نقص إمدادات الغاز الروسي وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية في زابوريجيا
أخبار البلد - بينما يواصل الجيش الأوكراني هجومه المضاد في اتجاه خيرسون – العاصمة الإقليمية الوحيدة لأوكرانيا التي سقطت في أيدي الروس منذ الأسبوع الأول من الحرب، أتت زيارة مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الجمعة المُنصرم إلى محطة زابوريجيا النووية، لتخيم على الأسبوع الـ26 لهذه الحرب، والتي يزيد استمرارها، من جانب آخر، القلق لدى الأوروبيين من تداعيات أزمة الطاقة الناجمة عنها، مع اقتراب فصل الشتاء.
فبعد زيارة كانت مرتقبة بشدّة لمحطة زابوريجيا الواقعة في الجنوب الأوكراني والخاضعة لسيطرة القوات الروسية منذ شهر آذار/مارس الماضي، تفقد وفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية – يضمّ أربعة عشر مفتّشاً ويتقدمه مديرها العام رافاييل غروسي، الخميس المنصرم، هذه المنشأة النووية التي تعدّ الأكبر من نوعها في أوروبا، والتي تتبادل موسكو وكييف الاتهامات بشن ضربات على محيطها، في زيارة وُصفت بأنها محفوفة بالمخاطر، في ظل المخاوف من وقوع كارثة نووية، على خلفية تعرّض محيط هذه المنشأة النووية لقصف متكرر، يتبادل الروس والأوكرانيون الاتهامات بالقول خلفه.
مباشرة بعد تفقد المحطة، تحدث رافاييل غروسي عن تعرض سلامتها المادية للانتهاك من جراء القصف المتكرر الذي طال محيطها. وغادر مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تاركاً خلفه عدداً من خبرائها، والذين أوضح أنهم «باقون في محطة زابوريجيا حتّى الأحد أو الإثنين» من دون أن يحدّد عددهم، بهدف مواصلة تقييم الوضع. وهي تصريحاتٌ رد عليها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قائلا إنه «كان على الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تذهب أبعد من ذلك، وتشدد على ضرورة نزع السلاح من هذه المنطقة النووية.»
ماكرون يدعو للحوار مع موسكو
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كان قد ناقش مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في اتصال يوم الـ19 من آب/أغسطسالماضي، الوضع في محطة زابوريجيا ومسألة تنظيم زيارة لوفد من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى هذه المنشأة النووية. وبينما كانت الزيارة المنشودة ترى النور، كان ماكرون الرئيسُ الفرنسي يجدد من باريس، أمام سفراء بلاده، الدعوة إلى مواصلة الحوار مع روسيا، وعدم ترك المجال لتركيا لتصبح القوة الوحيدة في العالم التي تحافظ على الحديث مع موسكو، على حد قوله. للتذكير هنا، فإن وساطة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، برعاية الأمم المتحدة، نجحت في توصل الروس والأوكرانيين إلى اتفاق إسطنبول لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر الموانئ المطلة على البحر الأسود.
في غضون ذلك، يواصل الجيش الأوكراني، الذي تلقى وعداً أمريكيا جديداً بالإعلان «في الأيام المقبلة» عن مساعدة عسكرية جديدة، هجومه المضاد الذي بدأه منذ الـ 29 آب/اغسطس المُنصرم في اتجاه خيرسون، العاصمة الإقليمية الوحيدة لأوكرانيا التي سقطت في أيدي الروس في الأسبوع الأول من الحرب في الـ24 من شباط/فبراير الماضي. غير أن الجيش الأوكراني، يواجه نيران المدفعية وتعزيزات من القوات الروسية عبر نقل قوافل كبيرة من المعدات العسكرية من القرم وميليتو بول.
بينما امتنعت واشنطن عن التعليق على الهجوم المضاد الذي أطلقته القوات الأوكرانية حول خيرسون، ذكرت المخابرات البريطانية أن قوات كييف تدفع الخطوط الأمامية للخلف «في بعض الأماكن» حيث بدأت في ضرب الجسور الروسية على نهر دنيبرو. ويرجح مراقبون أن الهجوم المضاد الأوكراني هذا هو عملية متماسكة ستستغرق بعض الوقت للتنفيذ بشكل صحيح، فيما يرى آخرون أن الجانب الروسي قد يستغل عدم تحقيق نصر فوري على مدينة خيرسون أو الصمت العملي للأوكرانيين بشأن تقدم الهجوم المضاد لتقديم الجهود الأوكرانية على أنها فاشلة وتقوض ثقة السكان.
من أجل الضغط على الروس، ورغم التباين في المواقف، خرج وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، من الاجتماع الذي عقدوه هذا الأسبوع في براغ، باتفاق على تعليق اتفاقية لتسهيل إصدار تأشيرات إقامة قصيرة في دول الكتلة للروس كان قد تم التوقيع عليها في 2007. وهي خطوة يقول الأوروبيون من شأنها أن تصعب على المواطنين الروس الحصول على تأشيرات شنغن. وقد وصف الجانب الروسي القرار الأوروبي بأنه «سخيف» وتعهد بـ«تدابير ملموسة» رداً عليه.
قلق أوروبي
لعل ورقة الطاقة هي أكثر التدابير الروسية الملموسة في مواجهة العقوبات الغربية، لا سيما الأوروبية منها، في وقت يتزايد فيه القلق في العديد من بلدان القارة من جراء تداعيات أزمة الطاقة الناجمة عن هذه الحرب، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء. فبعد أن قطعت الإمدادات عن بلغاريا والدنمارك وفنلندا وهولندا وبولندا تماما، وقلصت التدفقات عبر خطوط أنابيب أخرى، وخفضت موسكو بالفعل الإمدادات عبر خط أنابيب «نورد ستريم» الذي يصل حقول سيبيريا بألمانيا إلى 40 في المئة من قدرته الاستيعابية في حزيران/يونيو الماضي وإلى 20 في المئة في تموز/يوليو الماضي مبررة ذلك بمشاكل الصيانة والعقوبات التي تقول إنها تمنع إعادة معدات وتركيبها، قامت مجموعة غازبروم الروسية العملاقة هذا الأسبوع بوقف كامل لإمدادات الغاز إلى أوروبا عبر خط أنابيب «نورد ستريم» بسبب «أشغال صيانة» يتوقع أن تستغرق ثلاثة أيام.
وفي اليوم الموالي، علّقت غازبروم الروسية أيضا بالكامل شحناتها من الغاز إلى مجموعة إنجي الفرنسية، المورد الرائد للغاز في فرنسا، بسبب عدم تسديد الأخيرة الكامل لمقابل شحنات الغاز التي تسلمتها في شهر يوليو/تموز الماضي، وفق المجموعة الروسية العملاقة. غداة ذلك، صرحت الرئيسة التنفيذية لشركة إنجي الفرنسية كاثرين ماكغريغور أن قطاع الطاقة في أوروبا يمر «بأزمة استثنائية». فيما أوضحت الحكومة الفرنسية إن البلاد بحاجة إلى خفض استخدامها للطاقة بنسبة عشرة في المئة تقريبا لتجنب انقطاع الغاز.
وتسود حالة قلق كبيرة لدى الأوروبيين من تفاقم أزمة الطاقة، مع العلم أن هذه الأزمة أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار بيع الغاز بالجملة أكثر من 400 في المئة، وهو ما انعكس على المستهلكين والشركات، وأجبر الحكومات الأوروبية على إنفاق المليارات لتخفيف العبء. ومع اقتراب فصل الشتاء تتعزز المخاوف لدى الأوروبيين في ظل استمرار حرب الطاقة هذه التي أشعلتها روسيا، التي عرفت، في المقابل، هذا الأسبوع، ارتفاع المؤشر الرئيسي لبورصتها الرئيسية إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من ثلاثة أشهر مدفوعا بصعود قوي لسهم عملاق النفط «لوك أويل» كما ارتفع الروبل أمام اليورو والدولار.
وسعياً إلى إيجاد سبل لسد نقص إمدادات الطاقة والتغلب على الارتفاع في الأسعار، ترأس الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يوم الجمعة الماضي، مجلس دفاع، غير مسبوق، تم تكريسه لتقييم إمدادات الغاز والكهرباء ودراسة السيناريوهات من أجل تجنب النقص، فيما ناقش وزراء مالية الدول الأعضاء في مجموعة السبع، في اليوم نفسه، مقترحا من الولايات المتحدة لفرض سقف سعري للنفط الروسي، اعتبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير أن «تنفيذه سينتج عنه هبوط في الإيرادات النفطية لروسيا».