رائحة خالدة لا تنسى

أخبار البلد-

 

قد تنسى الجامعة وحفلة تخرجك بالروب الأسود الموشى بالزراق. تنساها بكل دموعها وشموعها، وربما تغيب عن ذاكرتك أسماء أقرب الاصدقاء، وتنمحي بعض مشاكسات الرحلات، والتآمر على تطنيش المحاضرات. وقد تنسى صوت فيروز العابق في صحن الكافيتريا؛ وفناجين القهوة المشرعة لقراءة البخت. وقد تنسى غرقك المبين بين رفوف المكتبة، تصارع ما تيسر من فلول معادلات وأشعار وروايات.

وقد تنسى المهرجانات وصخبها ومنابر الخطابة العامرة بالحماسة والعروبة والتنديد بالأمريكان والأعداء، لكنك ما حييت لن تنسى رائحة كتبك الأولى، التي لن تشابهها رائحة أبداً، في يومك المدرسي الأول. فهل تنسى كتبك الملونة إذ تعبق بحقيبتك الكبيرة على ظهرك الصغير، فتتمايل معها كمحارب تعبان، لكنك تستقيم بقامتك كفارس همام إذ تقرب من حوش الدار، وتنادي على أمك بصوت راعد كي تعرف بنت الجيران أنك عدت وقد صرت طالباً في الصف الأول، وليس مثلها قطةً صغيرة ما تزل تعشعش في دفء الأحضان.

قد تنسى قبح التوجيهي ووجعه الكريه، وليالي السهر الناعسة على سطح الدار، وقد تغيب عن جعبة الذهن توبيخات أبيك الحامية، كي تستقيم وتستقيم، لكنك لن تنسى ما حييت جوقة التصفيق الطويلة، إذ أمرت المعلمة الأولاد المتحمسين أن يصفقوا لك، بعد أن كتبت اسمك بخط كبير على السبورة في يومك الدراسي الأول، كما كنت تعلمت الخربشة بالفحم على حيطان الجيران.

لن تجرؤ أن تنسى صورتك في الطابور الأول، بعد الجرس الأول، وأنت تتأكد كل حين بيدك الصغيرة، من شاليشك الجميل اللامع (مفرق الشعر)، فتأمرك المعلمة أن تقف مستقيماً، في هذا الخط المبعوج، فلا يعجبك كلامها؛ فتنال ركلة خفيفة على مؤخرتك.

قد تنسى يومك الأول في العمل أو في الكتابة، ولن يغيب من بالك بكاؤك المفتعل، حين تركت أمك يدك المعرقة، فبكيت أو تباكيت ولم تسكت، إلا عندما ضاعفت لك المصروف. وهل تنسى ضحك الأولاد الذي يشبه مقاقاة الدجاج، إذ الولد السمين بلل بنطاله عندما خوفته المعلمة من غرفة الفئران؟.

ستنسى لون حذائك الذي اشتريته قبل يومين، لكنك لن تنسى كيف نمت بحذائك الضيق الجديد؛ كي يطلع نهار المدرسة باكراً كصباح العيد. فلو أنك تحيا عمراً أو عمرين اثنين، لن تنسى يومك الأول في مدرستك الأولى. فكل الحب لأبنائنا الطلبة الذين صنعوا ذكرياتهم الخالدة في يومهم المدرسي الأول يوم أمس