كرة الأزمة العراقية في ملعب برهم صالح ومصطفى الكاظمي

يحاول الرئيس برهم صالح ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي النأي بنفسيهما عن الأزمة المستفحلة في العراق، إلا أن الكرة سوف تعود في النهاية لتستقر في ملعبهما معا ليتخذا القرار المناسب.

وعاد التيار الصدري ليطالب المجلس الأعلى للقضاء بإعلان حل البرلمان. ومن غير المتوقع أن توافق السلطة القضائية على هذا الطلب، وهو ما سوف يعود ليتأكد عندما يصدر المجلس قراره الثلاثاء المقبل.

ويقول فائق زيدان رئيس المجلس إن الدستور لا يخول القضاء بحل البرلمان. وهو أمر لا يبدو قابلا للتغيير. ما يجعل المطالبة به، للمرة الثانية من جانب التيار الصدري، نوعا من ضغط ليس على القضاء نفسه وإنما على رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء لكي تتكفلا بالخروج بقرار.

وينص الدستور العراقي في المادة 64 على أن حل مجلس النواب يتم "بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، بناء على طلب من ثلث أعضائه، أو طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية”.

هذا النص يتطلب موافقة 165 نائبا على حل البرلمان، إما بطلب من ثلث أعضاء البرلمان (110 نائبا)، في حال انعقاده، أو بطلب من الكاظمي وموافقة صالح.

وكان حل البرلمان خيارا متاحا أمام نواب الكتلة الصدرية قبل انسحابهم، ولكنه ما يزال متاحا حتى الآن.

ومن حيث المبدأ، فإن الثلث المطلوب متاح. ممثلو كتلة "السيادة” التي تضم تحالف "تقدم” الذي يرأسه محمد الحلبوسي وتحالف "عزم” الذي يرأسه خميس الخنجر، يبلغ عددهم 51 نائبا. ويبلغ عدد مقاعد الحزب الديمقراطي الكردستاني 31

مقعدا، فضلا عن مقاعد التيارات المطالبة بالتغيير مثل "امتداد” (9 مقاعد) و”إشراقة كانون” (6 مقاعد)، وحراك "الجيل الجديد” (9 مقاعد)، وتحالف "تصميم” (5 مقاعد)، سوف يكفلون توفير الثلث المطلوب (110) لتقديم الطلب لحل البرلمان.

وحيث أن هناك أغلبية مؤكدة تدعم حل البرلمان، فإن موافقة الرئيسين الكاظمي وصالح سوف تنهي التنازع على هذه المسألة. والاختلاف إنما يتعلق بكيفية الحل (مع أو من دون انعقاد البرلمان)، وليس المبدأ نفسه.

ويقول مراقبون إن رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي يمكنه مكاتبة نواب البرلمان بشأن طلب حل البرلمان، من دون الحاجة إلى انعقاده.

كما يمكن للتيار الصدري، وفقا لخيار آخر، أن يطلب من مجلس القضاء الأعلى أو من المحكمة الدستورية الموافقة على التراجع عن انسحاب نوابه من البرلمان، فتعود التوازنات السابقة من جديد، ويصبح طلب حل البرلمان أسهل، من الناحية الإجرائية، لأن "الأغلبية المطلقة” المطلوبة سوف تتوفر.

صالح والكاظمي تمكنا من أن يحظيا بثقة كل المتنازعين، وبقيا مرتكزا للحوار والتشاور بالنسبة إلى كل الأطراف

وكان الرئيسان صالح والكاظمي حاولا على امتداد الأشهر العشرة السابقة أن يقفا على مسافة واحدة من الجميع، لأنهما يعرفان أن حل البرلمان ليس هو نهاية المعضلة، ذلك أن الحاجة إلى توافقات سياسية تظل مطلوبة بشأن دور الحكومة الانتقالية، والقوانين التي تسند العملية الانتخابية وإعادة تشكيل الهيئة المستقلة للانتخابات.

ويرى مراقبون أن جهود التسوية التي قادها صالح والكاظمي، إذا كانت لم تفلح، في اتجاه تحقيق التراضي، فإنها قد تفلح في اتجاه وضع الأطراف المتنازعة أمام ساعة الحقيقة، بأنهما سوف يأخذان بالطريق الآخر، وهو الموافقة على حل البرلمان، واستمرار الحكومة الحالية وإعادة الانتخابات وفقا للأسس ذاتها التي جرت عليها انتخابات أكتوبر 2021. وهو ما يعني أن يفرضا صلاحياتهما الدستورية على الكتل المتنازعة، لاسيما وأن التعطيل قائم قبل انسحاب الكتلة الصدرية وظل قائما بعد انسحابها، ولأن الشلل الراهن ينذر بوقوع ما لا تحمد عقباه إذا اندلع صدام مسلح بين جماعات الإطار التنسيقي وبين التيار الصدري.

وتمكّن صالح والكاظمي من أن يحظيا بثقة كل المتنازعين، وبقيا مرتكزا للحوار والتشاور بالنسبة إلى كل الأطراف، ما يجعلهما في وضع فريد حيال هذه الأزمة، يؤهلهما لأخذ زمام المبادرة قبل أن ينفرط العقد على أزمة أشد ثقلا.

لكن الصدام المسلح سوف يشكل تهديدا مباشرا لهاتين الرئاستين أيضا، ويجعل البلاد في وضع أمني قد ينذر بالمزيد من التمزقات.

ومازال أنصار التيار الصدري مرابطين أمام مقر البرلمان العراقي للأسبوع الخامس على التوالي في أكبر اعتصام أمام مقر البرلمان العراقي للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية جديدة لحل الأزمة السياسية.

بينما يرابط أتباع قوى الإطار التنسيقي الشيعي عند البوابة الجنوبية للمنطقة الخضراء الحكومية للمطالبة بالإسراع بعقد جلسة للبرلمان العراقي وتشكيل حكومة خدمة بكامل الصلاحيات.

 

التشاور الثنائي بين الرئاستين، من جهة، وكل طرف من الأطراف المعنية بالأزمة من جهة أخرى، ما يزال ممكنا
التشاور الثنائي بين الرئاستين، من جهة، وكل طرف من الأطراف المعنية بالأزمة من جهة أخرى، ما يزال ممكنا

 

وانقطعت سبل الحوار، على أساس اللقاء الجماعي بين أطراف الأزمة، مع إعلان كتلة السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني رفضهما المشاركة في دعوة الحوار التي نظم الكاظمي جولتها الأولى، من دون مشاركة التيار الصدري. وعاد هذا التيار ليجدد رفضه للمشاركة.

وقال مقتدى الصدر في تدوينة جديدة "ليعلم الجميع أنني لم ولن أرضى بهذه المحاصصة المقيتة كأي فرد من أفراد الشعب، الذين أخذوا على عاتقهم استرجاع الحقوق المسلوبة، فإني في خانة الشعب ولن أجالس أي سياسي مهما كانت مطالبه، دون الإصلاح الجذري الحقيقي”.

وتأجل الاجتماع الذي كان مقررا يوم الخامس والعشرين من أغسطس إلى أجل غير مسمى، وهو ما يعني أن محاولة الكاظمي للتقريب بين المتنازعين لم تعد تسير في طريق سالكة.

ويضع تأكيد رئاسة السلطة القضائية على موقفها السابق من حل البرلمان، الرئاسات الثلاث الباقية أمام استحقاق تدبير المخارج.

وتتعلق هذه المخارج، أولا، بآلية حل البرلمان، سواء بعودة البرلمان إلى الانعقاد، أو من دونها. وثانيا، بالتوافق على إعداد الترتيبات الانتقالية، وهي لا بد أن تشمل بقاء الرئاستين الحاليتين للجمهورية ومجلس الوزراء ريثما يتم انتخاب برلمان جديد.

والعنصران اللذان يدعمان تحرك صالح والكاظمي هو أنهما يمتلكان صلاحيات دستورية تؤهلهما للتحرك، وإنهما يحظيان بالثقة، لأنهما نجحا في خضم كل هذه الأزمة في أن يبقيا في منأى عن الدخول كطرف في التنازع.

ومن اللافت للانتباه أنهما لم يكونا عرضة للهجمات، وبقيا قادرين على أداء دورهما الدستوري من دون عقبات كبيرة، بما في ذلك قيادة الكاظمي للمؤسسات الأمنية، ومنها الحشد الشعبي.

ويسود الاعتقاد لدى المراقبين بأنه إذا فشل التشاور الجماعي، فإن التشاور الثنائي بين الرئاستين، من جهة، وكل طرف من الأطراف المعنية بالأزمة من جهة أخرى، ما يزال ممكنا. وإن الغاية منه يمكن أن تقتصر على الجوانب الإجرائية والتنفيذية لمطلب حل البرلمان، لاسيما وأنه مطلب يحظى بالقبول، وأن الاختلاف يكمن حول سبل الوصول إليه، وهي سبل إجرائية وتنفيذية في النهاية، ويملك الرئيسان صالح والكاظمي من الصلاحيات والمكانة ما يمكنهما في المضي بها قدما.

الأزمة العراقية