ستة أشهر على الحرب الروسية الأوكرانية
أخبار البلد-
ستة أشهر انقضت على بدء الحرب الروسية الاوكرانية التي اندلعت في الرابع والعشرين من شباط/فبراير 2022 والتي لم تقتصر تداعياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على البلدين المتحاربين وانما امتدت لتصل الى عدد كبير من دول وأقاليم العالم، بدءا من دول الجوار وصولا لقارات العالم البعيدة.
وشملت التداعيات من بين ما شملت خسائر بشرية كبيرة، وحركة نزوح ولجوء ضخمة، وسيطرة على الاراضي، وشُحاً في انتاج العديد من السلع الغذائية، وتقطعاً في سلاسل التوريد، وعقوبات اقتصادية واسعة بلغ عددها أكثر من 5500 عقوبة فرضت على روسيا. فهذا الحجم من العقوبات ليس له مثيل من قبل من حيث الحجم والشمولية والنطاق والآثار. ومن أبرز التداعيات الأخرى حصول ارتفاعات في الأسعار في قطاعات الطاقة والمواد الغذائية والسلع الزراعية والاستهلاكية الاخرى، وتغيرات في مسار تصدير السلع من الغاز والنفط الروسي من اسواق أوروبا الى أخرى شرقية مثل أسواق الصين والهند. فقد انخفض حجم الغاز المصدر من روسيا الى أوروبا بنسبة 20 بالمئة. كما وقد خسرت أوكرانيا ما مجموعه 22 بالمائة من أراضيها منذ عام 2014 بما فيها جزيرة القرم.
وبشكل عام يمكن القول إن أبرز تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية على الاقتصاد العالمي هي تباطؤ الانتعاش الذي حصل بعد أن اقترب العالم من الخروج من تداعيات جائحة كورونا، واشتداد الضغوط التضخمية، وتضاعف أزمة تكاليف المعيشة التي أدت الى المزيد من المعاناة وقرب ظهور خطر المجاعة.
فقبل الحرب كان العالم على مساره القوي باتجاه الانتعاش، وإن ليس بصور متماثلة بين الاقاليم والدول، ولكن الازمة الروسية الاوكرانية، وخلل سلاسل التوريد التي فاقمتها الاغلاقات في الصين بسبب سياسة كوفيد صفر، كلها وجهت ضربات خطيرة للانتعاش. كما ودخل العالم أزمة طاقة وأزمة غذاء وارتفاعات في الاسعار، ويقف الاقتصاد العالمي الآن على عتبة الركود التضخمي؛ أي انخفاض معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم، وهي حالة لم يمر بها الاقتصاد العالمي منذ أكثر من أربعين عاما. علاوة على ارتفاع النفقات العسكرية بشكل كبير على حساب الانفاق الاستثماري والتنموي المستدام.
أما فيما يتعلق بانعكاسات هذه الحرب على اقتصاد البلدين، فتشير بعض التقديرات الأولية الى خسارة أوكرانيا حوالي 104 مليارات دولار من البنى التحتية، وأكثر من 40 مليار دولار من المساكن، وحوالي 30 مليار دولار من الطرق والجسور، وما قيمته 30 مليار دولار من المنشآت الصناعية والمطارات والموانئ. وقدرت تكلفة اعادة الاعمار لاوكرانيا حتى الآن بحوالي 750 مليار دولار وستصل التكلفة حاجز الترليون دولار اذا ما استمرت الحرب فترة أطول. ويقدر البنك المركزي الاوكراني أن ينكمش الاقتصاد الاوكراني بحوالي 45 بالمئة عام 2022.
أما التداعيات غير المباشرة فناجمة عن حرمان الاقتصاد العالمي من غالبية المنتجات الأوكرانية مثل القمح الذي تبلغ حصة أوكرانيا منه في الانتاج العالمي حوالي 40 بالمئة، وانخفاض صادرات السلع الأساسية بحوالي 50 بالمئة، كل ذلك له تداعيات سلبية وتأثير مباشر على أسعار القمح والمنتجات المرتبطة بهذه المادة وبالتالي على معدلات التضخم العالمية.
أما فيما يتعلق بروسيا، فقد قدر البنك المركزي الروسي أن ينكمش الاقتصاد الروسي بحوالي 8 الى 10 بالمئة هذا العام، علاوة على تجميد أكثر من 300 مليار دولار من الموجودات الاجنبية الروسية في الاسواق الدولية، وتخلف روسيا عن سداد بعض مستحقات ديونها الخارجية، وذلك من بين عدة مؤشرات أخرى للخسائر.
وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الى احتمالية تراجع النمو للاقتصاد العالمي من 6.1 بالمئة عام 2021 الى 3.2 بالمئة في حال حدوث سيناريو أن ينخفض حجم صادرات الغاز الروسي لاوروبا بنسبة 20 بالمئة فقط، أو أن ينمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.6 بالمئة في حال حدوث سيناريو ثانٍ وهو أن ينقطع الغاز الروسي بالكامل عن أوروبا، عندها يتوقع أن ينمو الاقتصاد الاوروبي والاميركي بنسبة صفر بالمئة عام 2022 اذا حصل السيناريو الاخير.
الاقتصاد العالمي يعيش بحالة حرجة وتداعيات الحرب الروسية الاوكرانية والتغيرات الجذرية الملموسة في المناخ تضاعف الآثار السلبية، لذا فالعالم بأمس الحاجة لطاولة حوار عقلانية، عنوان أجندتها الرئيسية «تنازلات من أجل الانسانية والتنمية المستدامة».
وهنا نعيد التذكير بحاجة العالم لعقلاء وحكماء في الغرف السياسية لتبني سياسات بلمسات انسانية توقف النزف في الموارد وتعيد اتجاه بوصلة الاقتصاد للمسار التنموي الصحيح. فهل ستنصب هذه الطاولة ومن الذي سيبادر للجلوس حولها أولا؟!