الفراشة والنحلة

في مثل هذا اليوم قبل 56عاما علقت على خشبة الحياة، دون أن أعلق الأرض على المياه. اليوم وأنا أتلقى التعازي بوفاة عامي الخامس والخمسين قبل المئة، أتلقى في ذات اليوم التهاني والتبريكات بولادة عامي الجديد ، مثلي مثل أي ديكتاتور عربي ...حرّينكو!!

من أب مهاجر من الكرك الى مادبا وأم سلطية مهاجرة، ولدت مهاجرا ومغتربا منذ أن تحولت البويضة الى زيجوت يجوس أوقيانوس الظلمات..مات ..مات ..مات!! ثم الى مواطن كامل الدسم ، أنادي بالإشتراكية وأنا أرتدي أسمال (عتيق) الرأسمالية ، على رأي الساخر الكبير محمد الماغوط، بلسان غوار الطوشة.

قبلي بيوم واحد احتفل الملاكم العالمي الملاكم العالمي محمد علي كلاي بعامه السبعين، دون أن يدرك لماذا يتراقص الناس حوله، ويشعلون الشموع ثم يطفئونها بهبل مفاجئ..... اذا نحن ابناء ذات الأسبوع ، ورغم اننا نختلف في بعض الأشياء، مع فارق بسيط في قوة ضربة اليد، الا اننا – نحن الساخرين جميعا- نشترك مع الملاكم العتيد بشعاره الكبير (يحوم كالفراشة ويلسع كالنحلة ).... ولا يمكن أن يكون المرء ساخرا الا اذا كان كذلك.

كلاي رفض الدخول في حروب لا جدوى منها وتحدى المؤسسة، وتعرض للسجن لأنه لم يقبل المشاركة في حرب الأمريكيين في فيتنام، وأنا كذلك تعرضت للسجن والإعتقال أكثر من مرة ، لأني لم اقبل السائد من فساد وإفساد و(دن دن ورسن).

ستة وخمسون عاما ، عدا بلا نقدا، تلقيتها صفعة صفعة،على غفلة ...عفوا ..خمسة وخمسون منها ، أما السنة الأخيرة فقد أعادت لي احترامي لذاتي ..فقد شهدت هزيمة 1967طفلا، وهزيمة1973(هي هزيمة، بلا شعارات) مراهقا، وهزيمة1982 شابا، وهزيمة اوسلوا شيخا.

السنة التي ردت لي الروح هي سنة الربيع العربي الذي ما يزال قيد الإزهار ..وما زلت متفائلا به رغم بعض النكسات والتراجعات ... اذ أن البناء صعب جدا بعد هدم وإفساد وتدمير وخيانات استمرت لعقود..... قد لا نتقدم بسهولة ، ولكن ما كان يمكن أن نتقدم أبدا، الا بعد أن نهدم القديم المترهل ..ونفلح تربة الوطن... ونزرع زهرة الحرية.

القديم تهاوى...والجديد لم يولد بعد...لكنه بلا شك هو الان مثلي قبل 56 عاما..في مرحلة الزيجوت، من آباء هاجروا من خريف هزائمهم الى ربيع البناء.... إنهم يصنعون الحياة.