رئيس الوزراء العراقي عالق بين قطبين متضادين
أخبار البلد - يجد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي نفسه عالقا بين قطبين شيعيين متضادين وهما التيار الصدري والإطار التنسيقي، على الرغم من محاولات الكاظمي النأي بنفسه عن كليهما وتبني سياسة الحياد، مع الدعوة إلى الحوار كسبيل لإنهاء الأزمة بينهما.
ويتعرض الكاظمي منذ فترة لضغوط شديدة، لاسيما من الإطار التنسيقي الذي يحمّله قادته مسؤولية السماح لأنصار التيار الصدري باقتحام مجلس النواب، والاعتصام في محيطه، ملمحين إلى أن رئيس الوزراء متواطئ مع زعيم التيار مقتدى الصدر.
واشتدت الحملة على الكاظمي الثلاثاء مع تحول أنصار الصدر بشكل مفاجئ إلى المجلس الأعلى للقضاء واعتصموا أمامه لساعات، وهو ما اضطر المجلس إلى تعليق عمله إلى حين انسحاب المعتصمين، وترى قيادات في الإطار، وفي مقدتمها زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، أن من المفروض أن تتحرك الحكومة لوقف تصعيد التيار "الموجه ضد مؤسسات دستورية”.
ودخل الحشد الشعبي المفترض أنه تحت إمرة الكاظمي، بحكم أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة، على خط الضغوط، حيث دعا الحكومة، التي هي حاليا حكومة تصريف أعمال، إلى تحمل المسؤولية وبجدية في حماية مؤسسات الدولة الدستورية، ملوحا بإمكانية التحرك بشكل منفرد.
وقالت هيئة الحشد الشعبي في بيان صحافي إنها حرصت "على ألّا تكون طرفا في الأزمة السياسية الراهنة، في الوقت الذي تجد فيه الهيئة أنها ملزمة بحماية السلم الأهلي والدفاع عن الدولة ومنع انهيار ركائزها وحماية الدستور، الذي أقسم الجميع على حمايته والالتزام به”.
مصطفى الكاظمي يوجه بتطبيق أقسى العقوبات بحق أي منتسب في القوى الأمنية والعسكرية ممن يخالف التعليمات
وجددت هيئة الحشد "استعدادها للدفاع عن مؤسسات الدولة التي تضمن مصالح الشعب، وعلى رأسها السلطة القضائية والتشريعية، وعن النظام السياسي والدستور”. وحذرت الهيئة من أنها تراقب "عن كثب وباهتمام بالغ ما يحصل من تطورات مؤلمة وخطيرة في عراقنا الحبيب، وآخرها محاصرة مصدر قوة البلاد الذي هو متمثل بمجلس القضاء الأعلى من قبل مجاميع منظمة بينهم مسلحون”.
بيان الهيئة، الذي يحوي بين طياته تهديدا بالتمرد على قرار الحكومة القاضي بعدم التدخل، أثار غضب الكاظمي الذي وجه "بتطبيق أقسى العقوبات القانونية بحق أي منتسب في القوى الأمنية والعسكرية العراقية ممن يخالف التعليمات الثابتة”.
وشدد الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيى رسول في بيان على أن "القائد العام يؤكد أن القوى الأمنية والعسكرية العراقية لن تنجر إلى الصراعات السياسية، ولن تكون طرفا فيها، وسيبقى واجبها دوما حماية العراق ومقدراته، وقدسية الدم العراقي”.
وأكد على "ضرورة إجراء الوحدات الأمنية والعسكرية كافة تدقيقا لمنتسبيها، وتطبيق الإجراءات القانونية بحق المخالفين ومنع إصدار المؤسسات الأمنية والعسكرية أي بيان ذي طابع سياسي أو يمثل تجاوزا وإيحاء بعدم التزام أي مؤسسة بالسياق العسكري والأمني المعمول به”.
وتشكل الحشد الشعبي في العام 2014، وهو تحالف لميليشيات عراقية موالية لإيران، وتم إدراج هذا التحالف ضمن القوات المسلحة لإصباغ صفة قانونية على حضوره، بعد أن انتفى الدور الوظيفي المفترض أنه تشكل على أساسه وهو التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية الذي اجتاح أجزاء من العراق في العام 2013.
ويقول مراقبون إن على الرغم من انضوائه تحت إمرة رئيس الحكومة، لكنه عمليا يأتمر بأوامر قياداته الموالية لإيران، مشيرين إلى أن تدخل الحشد أمر وارد جدا في حال تفجر الوضع أكثر بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري، الذي يملك هو أيضا ميليشيات مسلحة ومن بينها "سرايا السلام”.
ويشير المراقبون إلى أن قرار المحكمة الاتحادية المتوقع أن يصدر في الثلاثين من الشهر الجاري، بشأن دعوى التيار الصدري لحل البرلمان، قد يشكل نقطة الانفجار التي قد تفضي إلى اقتتال شيعي – شيعي في العراق، خصوصا وأن الصدر لا يبدو أنه في وارد إبداء أي مرونة، وهو يستمد قوته من أنصاره الذين على استعداد لتنفيذ أي أوامر تصدر عن زعيمهم.
ولوح التيار الصدري الأربعاء باتخاذ "خطوة مفاجئة لا تخطر على بال”. وقال صالح محمد العراقي، المتحدث باسم الصدر، في بيان صحافي "سواء اعتُبرت الاعتصامات أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في العراق الثلاثاء فاشلة أم ناجحة، فهي تعني أننا سنخطو خطوة مفاجئة أخرى لا تخطر على بالهم، إذا ما قرر الشعب الاستمرار بالثورة وتقويض الفاسدين”.
وأوضح أن "إعلان مجلس القضاء تعليق عمل القضاء لم يكن دستوريا، ما يعني أن القضاء يحاول إبعاد الشبهات عنه بطريقة غير قانونية، وخصوصا أن المظاهرة كانت سلمية”.
ورجح المتحدث باسم الصدر أن "يحاول القضاء العراقي كشف بعض ملفات الفساد درءا لاعتصام آخر، ولعله سيصدر أوامر قبض بحق المطالبين بإلاصلاح حقا أو باطلا…”.
واعتبر أن قوى الإطار التنسيقي الشيعي ترى القضاء العراقي هو الحامي الوحيد لها، وأن إذا ما استمر الاعتصام أمامه فسوف لا يكون لها وجود مستقبلا، ولن تستطيع تشكيل حكومة.
وقال المتحدث باسم الصدر إن "سقوط النظام الحالي في العراق لا يحلو للبعض، وعلى رأسهم السفارة الأميركية”.
ويزعم التيار الصدري أن تحركاته التصعيدية تندرج في سياق ثورة لتصحيح المسار في العراق وإبعاد الفاسدين، لكن مراقبين يشككون في حقيقة هذه الدوافع، لاسيما وأن الأخير كان على مدار السنوات الماضية جزءا أساسيا من المنظومة الحالية، وتقلدت قيادات التيار ولا تزال مناصب عليا ضمنها.
ويرى المراقبون أن الصدر بعد النتيجة التي حققها في الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في أكتوبر الماضي، بحصوله على 73 مقعدا، يعتبر أن الأوان قد حان للتحكم في كامل العملية السياسية وإدارة الدولة ومواردها.
ويشير المراقبون إلى أن نزعة الصدر الاحتكارية أدت إلى الصدام الجاري مع باقي الطيف الشيعي المنافس الممثل في الإطار التنسيقي، لافتين إلى أن إصرار الصدر حاليا على حل البرلمان والذهاب إلى انتخابات جديدة، ينبع من قناعة لديه بأن بإمكانه تحسين وضعه وبالتالي السيطرة على دفة السلطة، وأن من غير المرجح أن يتراجع عن هدفه.