بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية

أخبار البلد-

 

تنفيذاً للرؤى الملكية السامية، تعكف الدولة الأردنية بكافة أجهزتها ومؤسساتها الوطنية على المضي قدماً في عملية التحديث بأطيافها المختلفة السياسية والاقتصادية والإدارية، حيث تظهر الصلة الوثيقة بين هذه المجالات من خلال أن العمل على تطوير السلطة التشريعية وتحسين آليات عملها، والذي هي محور التحديث السياسي، من شأنه أن يلقي بظلاله على كيفية إدارة الحكومة لشؤون الدولة، وقيادتها للملفين الاقتصادي والإداري.

إلا أن المتابع للمشهد العام خلال الفترة الماضية، يجد ان الإصلاح السياسي كان له زخم إعلامي وشعبي أكبر بكثير من الإصلاحين الاقتصادي والإداري. فتشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية كان له وقع كبير على المتابعين والمراقبين السياسيين وذلك ابتداء من شخص رئيسها والأعضاء فيها، انتهاء بالتوصيات والمقترحات التشريعية التي قدمتها في تقريرها النهائي.

ورغم الجدل الشعبي وحالة الاشتباك الإيجابي غير المسبوقة مع مخرجات اللجنة الملكية، إلا أنه قد أسفر عن تشكيلها تغييرات تشريعية تمثلت بتعديلات دستورية جوهرية في مجال تطوير آليات العمل النيابي، وإقرار قانونين جديدين للأحزاب السياسية والانتخاب.

ورغم حداثة إصدارهما، فقد أحدث هذان التشريعان المستحدثان حالة من الاستجابة الفورية التي تمثلت في الحراك الواسع على مستوى تأسيس أحزاب سياسية جديدة واندماج القائم منها. بالإضافة إلى الانتقال إلى مرحلة لم يكن أشد المتفائلين يتوقعها، تتمثل بالعمل على تعزيز العمل الحزبي في مؤسسات التعليم العالي، والسماح للطلبة الحزبيين بممارسة الأنشطة الحزبية في الجامعات والمعاهد التعليمية.

إن هذه المرحلة السياسية التي تشهدها الساحة الوطنية هذه الأيام تؤكد أن الإصلاح السياسي قد أحدث فارقاً، وإن كانت الرحلة لا تزال طويلة لإعادة الثقة الشعبية بالمؤسسة البرلمانية، وتغيير الثقافة المجتمعية بأهمية الأحزاب السياسية، وبأنها الآلية الدستورية القادمة لتشكيل السلطتين التشريعية والتنفيذية.

في المقابل، لم يكن الإصلاح الاقتصادي بذات الزخم الإعلامي والشعبي، حيث جاء الاهتمام بمجرياته ومخرجاته أقل منه بالنسبة للإصلاح السياسي، ولم تأخذ توصيات التحديث الاقتصادي الأهمية ذاتها التي تمتعت بها مخرجات اللجنة الملكية، ذلك على الرغم من أن الإصلاح الاقتصادي بالنسبة للمواطن الأردني هو أولويته القصوى، وذلك نظراً للظروف الاستثنائية التي تمر بها الدولة الأردنية على الصعيدين الاقتصادي والمالي.

وحتى المخرج الأهم للجنة الإصلاح الاقتصادي المتمثل بضرورة العمل على تشجيع الاستثمار وتحويل الدولة إلى بيئة جاذبة للمستثمرين والذي حاول مشروع قانون تنظيم البيئة الاستثمارية تكريسه، فقد تعرض لسلسلة من الانتقادات من أصحاب الاختصاص، وأدخل عليه مجلس النواب تعديلات جوهرية يرجى معها تحقيق الفائدة المرجوة منه.

وبالنسبة للإصلاح الإداري، فقد لاقت مخرجات اللجنة المعنية قبولا شعبيا وسياسيا أقل من باقي اللجان الإصلاحية الأخرى، فكان الاعتراض–الذي ما زال مستمرا إلى اليوم–على المقترحات المقدمة منها، وبالأخص إلغاء وزارة العمل، ذلك على الرغم من تضمين التقرير النهائي سلسلة من التوصيات الإيجابية التي أجمع رجال الإدارة العامة على أهميتها، وبالأخص دمج المؤسسات والهيئات المستقلة.

وأمام حالة اللاقبول لمخرجات لجنة الإصلاح الإداري، اضطرت الحكومة إلى الإعلان عن قبولها بفكرة التعديل والتغيير على التوصيات النهائية، وبأن ما جرى تقديمه لا يخرج عن كونه مسودة أولية لتقرير التحديث الإداري.

إن هذا التباين في مجريات الإصلاح أمر طبيعي ولا يجب أن يثير أي حالة من الخوف أو التشكيك بجدية الدولة الأردنية في التغيير، إلا أن التحديث السياسي يبقى حالة متميزة يجب أن يتم اعتبارها النموذج الأمثل بالنسبة للإصلاحين الاقتصادي والإداري، وذلك على كافة الأصعدة الرسمية والشعبية.

لذا، فإن الحكومة مدعوة اليوم إلى أن تولي مخرجات الإصلاح الاقتصادي الأهمية ذاتها التي أظهرتها بالنسبة لمخرجات اللجنة الملكية وأن تفصح أولا بأول عن المنجزات التي قامت بها لتنفيذ التوصيات الاقتصادية. كما يتعين عليها أن تسرع الخطا في إعداد المسودة النهائية لتقرير الإصلاح الإداري ليكتمل المشهد الإصلاحي في الأردن