نقص الأعداء واحدا
أخبار البلد-
خلال سنوات العقد الاخير تغيرت خريطة صداقات وعداوات المنطقة بشكل لم يكن البعض يتوقع حدوثه، ولعل آخر التحولات التي ستكتمل قريبا التحول في علاقات سورية وتركيا، فتركيا من أكثر الدول التي عملت على دعم المعارضة السورية بكل انواعها، وسيطرت على الحدود الشمالية لسورية وحولتها إلى مناطق نفوذ لكل تنظيمات المعارضة وتبنت موقفا سياسيا متشددا تجاه بشار الأسد وتحدثت عن قرب دخول دمشق، واليوم تتحدث تركيا عن عودة للتواصل والعلاقات مع الدولة السورية وتدعو المعارضة السورية إلى الحوار مع حكومة سورية، بل وعقدت محادثات العام الماضي مع سورية حول مكافحة التنظيمات الإرهابية وفق مفهوم كل دولة.
نقص أعداء الأسد واحدا، بل عدوا مهما ومؤثرا مثلما تلاشى العداء مع آخرين، والصدمة التي اصابت معارضي بشار كبيرة تماما مثلما أصابت معارضي الدولة المصرية المدعومين من تركيا بعد فتح أبواب التواصل بين تركيا ومصر الذين لم يكتمل حتى الآن.
علمنا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ان نتجنب الإفراط في الحب والكره بقوله عليه السلام "احبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما”.
وفي عالم علاقات الدول يكون الإفراط في الحب او الكره سيئ المردود، ولعل عقدا مضى من اليوم يقدم لنا أمثلة صارخة في انقلابات علاقات الدول في محيطنا، فدول عربية كانت مع بداية فترة مايسمى الربيع العربي تقف في خندق العداء بل الحرب على النظام السوري، ولم توفر جهدا في دعم المعارضة المسلحة وغير المسلحة لكنها اليوم متحمسة لإعادة سورية إلى الجامعة العربية وهناك عودة للعلاقات وتبادل للزيارات وبيانات مكتظة بالحب والاخوة.
وهناك دول دخلت في صراعات سياسية واقتصادية لسنوات لكن تغير معادلات المصالح والسياسة ألغى كل ماكان يقال من كل طرف بحق الآخر وعادت العلاقات والابتسامات.
وليس بعيدا كانت حماس تستفيد من علاقاتها بسورية ومع قدوم الربيع العربي انحازت إلى حلفاء آخرين والى جذورها الإخوانية وخاصة مع شهية واسعة للإخوان للحكم في أكثر من مكان، لكن عدم سقوط نظام بشار الأسد، وتلاشي قوة الاخوان المسلمين وتحولهم من قادة دول إلى تنظيم مطارد جعل حماس تطرق أبواب دمشق مرة أخرى تطلب الود وكأن النظام السوري الذي كان في نظر من وقفوا ضده مجرما قاتلا قد تحول إلى حليف مرة أخرى وعنوان للمقاومة.
ولعلنا نتذكر التقارب الكبير الذي كان بين تركيا بقيادة أردوغان وسورية بقيادة بشار الأسد إلى حد أن كانت القيادة التركية وسيطا بين سورية وإسرائيل واستضافت على الأرض التركية مفاوضات بين الطرفين عام 2008، لكن الواقع اليوم يقول ان تركيا وسورية الأكثر عداء لبعضهما البعض، لكن القادم سيكون تفاهما واتصالات، فلا خصومه في السياسة كما يقولون.
سياسة الإفراط في العداء والهجوم على الطرف الآخر نتقنها نحن العرب، ومن عاش فترات الخمسينيات والستينيات والى اليوم او تابع أرشيف العلاقات يرى حجم الهجوم في الإذاعات والتخوين، وبعد زمن تعود العلاقات، لهذا فقد العداء مصداقيته كما فقد الود مصداقيته.
لعل الدول المعتدلة في خصومتها وفي ودها وحبها قليلة جدا في عالمنا العربي وحتى تنظيماتنا القديمة والجديدة، ومن يمتلك الحكمة والتجربة يستطيع في زمن الخلاف أن يكون معتدلا في خلافاته حتى يستطيع اذا جاء الود ولو كان شكليا أن ينتقل اليه بكفاءة اكبر.