تلفريك عجلون: أنموذج للإخفاق المزمن

أخبار البلد-

 

في أيار 2019، عاشت محافظة عجلون فرحة كبيرة بالإعلان عن توقيع اتفاقية إقامة مشروع التلفريك، والذي قيل وقتها إنه سينقل المنطقة بأكملها إلى مستوى آخر من الاستثمار، بتوفير فرص استثمارية عديدة على مسار المشروع، والإمكانيات الكبيرة في عملية توليد فرص العمل والتشغيل للمئات.
هذه الفرحة لم تكتمل، ويبدو أنها لن تكتمل خلال وقت قريب، ففي كل أسبوع تعلن المجموعة الأردنية للمناطق الحرة والمناطق التنموية عن "عقبة جديدة” تؤدي إلى تأجيل آخر لإطلاق المشروع الذي يعول عليه كثيرون، ففترة 18 شهرا التي وضعت عند توقيع الاتفاقية، كهدف زمني لإنجاز المشروع، امتدت كثيرا لتصبح 40 شهرا اليوم، وقد تمتد أكثر من ذلك دون إطلاق المشروع.
مثل كثير من الإخفاقات، غالبا ما يلجأ أصحابها إلى مشاجب لتعليق التقصير عليها، وقد شكلت جائحة كورونا فرصة ذهبية لأولئك، وما إن ذهبت كورونا بحلوها ومرها، حتى توالت "الأعذار” التي تعلق بها أصحاب القرار لكي يبرروا إخفاقهم في تنفيذ مشروع بسيط، لا تتعدى كلفته 11 مليون دينار، ومسافة المشروع تقف عند 2.5 كيلو متر، بينما المطلوب تشغيلها هي 8 عربات فقط!
في مطلع العام الحالي، توقع المسؤولون أن يتم افتتاح المشروع في حزيران، لكن حزيران بدأ وانتهى، ولم يحدث شيء سوى إعطاء موعد جديد، هو تشرين الثاني المقبل، ولا ندري هل سيكون حقا موعدا نهائيا، أم ستكون هناك أعذار جديدة كالمخططات والمخصصات والاستملاكات مثلا!
لكن الغريب بالأمر، أن قرارات مهمة جدا، وترتيبات لها صلة مباشرة بعمل المشروع، لم يتم الانتباه إليها إلا مؤخرا. فمثلا، تم الإعلان عن تشكيل لجنة مختصة بموضوع الطرق المؤدية إلى المشروع "لغايات التعجيل بفتح هذه الطرق وتسليمها بالوقت المحدد” في نهاية تموز الماضي فقط، بينما كان المسؤولون يقولون إن إطلاق المشروع سيكون سابقا لهذا التاريخ، فهل تنبه المسؤولون حينها فقط إلى أن تلك الإجراءات ضرورية لإطلاق المشروع، وهل استطاعوا أن يهتدوا إلى هذه الحقيقة بأنفسهم، أم أن هناك من "أسرّ” لهم بها!!
هذا المقال ليس مخصصا لمناقشة مشروع تلفريك عجلون، فحسب، بل لإلقاء الضوء كذلك على ثقافة التخطيط والتنفيذ داخل المؤسسة الرسمية في الأردن. فالتعامل مع "تلفريك عجلون” يمكن أن يهدينا إلى كيفية التعامل مع جميع المشاريع التنموية، وفي مختلف المناطق. لكن الثابت هو أننا لو أخذنا محافظة عجلون مثالا لتوزيع مكاسب التنمية، فسوف نصطدم بالإخفاق الكبير لمخططي السياسات التنموية بمجملها، فعجلون تكاد تكون منطقة جغرافية أنموذجية بامتياز لتنفيذ وإنجاح أي مشروع إن امتلك المنفذون الرؤية الواضحة وآليات التخطيط السليمة، وجدول التنفيذ.
تبلغ مساحة محافظة عجلون زهاء 420 كم2، وتمتلك العديد من المقومات السياحية الطبيعية والتاريخية التي يمكن تأهيلها وتجويد خدماتها بواسطة تحسين البنى التحتية، ما قد يؤدي إلى تشغيل عدد أكبر من القوى المتعطلة فيها. المنطقة تتميز بجمال الطبيعة، خصوصا مع توفر عدد كبير من الينابيع الجارية على مدار العام، إضافة إلى العديد من الآثار التاريخية والدينية، كقلعة عجلون، وكنيستي مار إلياس، وسيدة الجبل التي أعلن الفاتيكان اعتمادهما للحج المسيحي.
بالنسبة إلى عدد السكان فهو يقل عن 200 ألف نسمة، ما يجعله عددا أنموذجيا لتنفيذ سياسيات تنموية تستهدفه، سواء كانت مشاريع إنتاجية كبيرة، كالمصانع، أو مشاريع تشغيلية متوسطة وصغيرة، خصوصا أن المساحة وعدد السكان يسمحان بقياس أثر تلك المشاريع بطريقة أكثر سهولة من مناطق جغرافية أخرى.
لكن الأمر عكس ذلك تماما، فالمحافظة تسجل نسبة فقر بلغت 25.6 %، في حين بلغت نسبة البطالة 20.5 %، بينما تفتقر إلى المشاريع تنموية كبيرة، فهي بلا مدينة صناعية أو منطقة استثمارية، بينما تشتمل المحافظة على 3 جيوب فقر، هي: قضاء عرجان، وقصبة عجلون، وقضاء صخرة، وهي جيوب فقر مزمنة لم تستطع الحكومات معالجتها عبر سنوات طويلة، ما يحيلنا إلى الإخفاق الكبير في التخطيط والتنفيذ والنظر إلى المستقبل.
إنه أمر مضحك، فحكومات كاملة ممتدة على مدار عقود، تفشل في التخطيط لإنقاذ منطقة جغرافية صغيرة بعدد سكان محدود، من براثن الفقر والبطالة، وتترك أهلها وحيدين ليخططوا لأنفسهم وأبنائهم، دون أن تسهم تلك الحكومات بحلول يمكن أن تصنع أي أثر في حياتهم. إذن، كيف يخططون لبلد بأكمله!!