تجارة «الهُولوكُوست».. والطمس على «الرِواية الفِلسطينية»

أخبار البلد-

 

ما كان لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ان يقعَ ضحية سؤال «مُفخّخ», لم يكن سؤالاً عفويا ولا هدف طارِحه بريئاً في توقيته وفي «المناسبة» التي استحضرها. بل توجّب عليه (عباس) إبداء المزيد من الحذر, والتريّث قليلا قبل الوقوع في «مَطبّ» المقارنة بين «أسطورة» الهولوكوست, التي تشكل السلاح الأمضى والأقوى (إضافة بالطبع الى السلاح الخطر الآخر وهو «معاداة السامية» التي تُشهره الصهيونية العالمية وانصارها في العالم وبخاصة في أوروبا وتحديداً في ألمانيا وفرنسا في وجه كل ما يحاول «تصحيح» رواية الهولوكوست التي تحتكرها الصهيونية واليهود لأنفسهم) خاصّة ان حضور المؤتمر الصحافي للمستشار الألماني/شولتس والرئيس الفلسطيني هم من ايديولوجيات ومرجعيات مختلفة، الأمر الذي مهّد لسؤال كان من المفترض لمرافقي عبّاس ان يُحضروا له جيدا، جاء مع قرب حلول الذكرى الـ"50» لعملية ميونخ في أوائل أيلول عام 1972, وشهراً ونيّف بعد اغتيال المناضل والكاتب والسياسي الفلسطيني الشهيد غسان كنفاني.

لم تكن ثمّة حاجة لاستخدام أو حتى التطرّق لمصطلح ومفهوم ودلالات الهولوكوست, بل ربما كان الأكثر «سلامة» التركيز على ملابسات عملية ميونيخ وربطها بما حدث ويحدث على أرض فلسطين من جرائم حرب وارتكابات صهيونية، لكن وقد باتت تصريحات عباس تحت القصف الصهيوأوروبي العنيف, بلا كوابح أو ضوابط سياسية أو أخلاقية أو مِهنية, فإن من المهم بل الضروري التوقف عند تداعيات «الحدث/الجواب» الذي غطّى على أكثر من ملف وقضيّة راهنة وبات يشكّل منصة للانقضاض على الحقوق الفلسطينية, وخصوصاً التركيز على عدم «أهلية» السلطة وقيادتها لتكون شريك?ً لدولة العدو الصهيوني, (هل كان ثمّة اعتراف صهيوني أصلاً بالسلطة؟ سواء في عهد عرفات أم خاصة في عهد عبّاس كـ«شريك» لإسرائيل في أي مفاوضات؟ تحديدا بعدما «نحتَ» ايهود باراك مقولته الشهيرة التي باتت «لازمة» في كل تصريحات قادة العدو بأن «ليس لإسرائيل شريك فلسطينيّ»)؟.

نبدأ من تصريح الخارجية الألمانية يوم أمس بأن الرئيس الفلسطيني سيتمتع بـ«لحصانة» من الملاحقة القضائية ولن يُتاح التحقيق معه، بالرغم من قرار شرطة برلين فتح «تحقيق أولي» بسبب تصريحاته الأخيرة بأن «اسرائيل ارتكبت 50 هولوكوست ضد الفلسطينيين». والسؤال هنا هل حدث ان فُتِح تحقيق مع مسؤول أجنبي يزور بلداً بدعوة رسمية من قيادة ذلك البلد، فقط لأنه أدلى بتصريحات مُخالفة أو لا تعجب أركان ذلك البلد؟

احسب انها أول مرة وهذا فقط بسبب القداسة المُؤسطرة والهالة الكبيرة التي نجحت الصهيونية وأتباعها في الغرب الاستعماري في إحاطة الهولوكوست بهما, وعدم السماح لأي شعب في العالم ان يَنسب لنفسه هذا المصطلح, أيّاً كانت المذابح التي ارتكبت بحقه حتى تلك التي حدثت للأرمن في العام 1915, ولهذا «مثلاً لم تعترِف اسرائيل ذات يوم بالمذابح الأرمنية بل كانت تستخدمها كورقة لابتزاز تركيا.

ثم وهذا أكثر أهمية.. وصف محمود عبّاس في المؤتمر الصحافي إيّاه «السياسة الإسرائيلية» بـ «نظام ابارتايد/ فصل عنصري» فسارع المستشار الألماني الى إبداء اعتراضه قائلاً: أود ان أقول صراحة عند هذه النقطة, انني «لا» أتبنى كلمة ابارتايد ولا أعتبرها صحيحة لوصف الموقف». ولم يقل شولتس ما هو موقفه من ممارسات اسرائيل, خاصّة ان ثلاث منظمات حقوقية دولية/ واسرائيلية ذات وزن ومصداقية, وَصفتْ الممارسات الإسرائيلية بالعنصرية أولها منظمة العفو الدولية/ امنستي, وتلك الأميركية هيومن رايتس ووتش وخصوصاً منظمة » بيتسيلم » الإسرائيل?ة. ذلك كله لا يعيره المستشار الألماني أهمية أو يقيم له وزناً, بل ثمّة تركيز وتحريض وتجريم لكل من يقوم بوصف الصهيونية كحركة عنصرية أو حتى يقوم بانتقاد سياسات اسرائيل، إضافة بالطبع الى أي مَسٍّ بالهولوكوست, حيث تهمة اللاسامية جاهزة وغبُّ الطلب في برلين وباريس ودول عديدة في الإتحاد الأوروبي (دعك عنك.. بريطانيا).

في السطر الأخير.. يُحسن المسؤولون الفلسطينيون في السلطة كما في المنظمات الفلسطينية صُنعاً لأنفسهم ولقضيتهم, بعدم الوقوع في فخ الانخراط في جدل حول الهولوكوست تحديداً, لأن الأذرع الصهيوأميركية كما الصهيوأوروبية.. طويلة وقادرة ومؤثرة, وذات حضور في المشهدين الأوروبي والأميركي, حيث يتم استخدام اي انكار له سلاحاً للطمس على الرواية الفلسطينية وتبرير جرائم اسرائيل وارتكاباتها الفاشية والعنصرية.