إشكالات أردنية فلسطينية
حماده فراعنه
في مقال نشرته صحيفة " العرب اليوم " الأردنية ، يوم الخميس 12/ كانون الثاني الجاري ، طالب فيه الكاتب الصحفي والناشط السياسي الأردني ناهض حتر ، قادة حماس ، وكذلك الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية ، بالتنازل الطوعي عن جنسياتهم الأردنية ، وجاء فيه :
" خطا " الإخوان المسلمين " الأردنيون والفلسطينيون ، خطوة صحيحة بفك الأرتباط بين التنظيمين ، أصبحت حركة حماس تنظيماً فلسطينياً مستقلاً ، وهو ما يفتح الباب أمام علاقات طبيعية معها كحزب في البلد الشقيق ، وسيكون على قادتها ، إنسجاماً مع الوضع الجديد ، التنازل عن جنسيتهم الأردنية ، مقدمة كي يوافق الوطنيون الأردنيون على إستقبال القادة الحمساويين من قبل أركان الدولة كممثلين لحزب فلسطيني ، ولئلا يكون هناك إلتباس ، فإن ذلك ينطبق ، أيضاً على قادة الفصائل والأحزاب الفلسطينية الأخرى ، فلن نقبل بعد اليوم أن يستقبل مسؤول أردني مواطناً أردنياً بصفته مندوباً عن هيئة فلسطينية " .
بداية قد لايكون ناهض حتر ، ككاتب وكناشط سياسي ، معبراً عن مواقف كل الوطنيين الأردنيين وسياساتهم أو عن بعضهم ، وقد لا يكون ، فثمة تباينات وخلافات وإجتهادات بين الوطنيين الأردنيين ، حول هذه القضية أو تلك ، وهذا شيء طبيعي ، ومفهوم ، ولكن ما قاله ناهض حتر يستحق التوقف والأهتمام ، حتى ولو قاله نيابة عن قطاع محدود من الوطنيين الأردنيين ، ولكنه كلام مهم يجب على قادة حماس وقادة الفصائل والأحزاب السياسية الفلسطينية أن تأخذه بإهتمام وجدية ، لأنه يعبر عن قلق أردني قائم سواء كان معلناً كما عبر عن ذلك ناهض حتر أو دفين لدى قطاعات أخرى من الأردنيين .
ناهض حتر ، لا تختلف مكانته عن ليث شبيلات ، او توجان فيصل أو أحمد عويدي العبادي ، فهو مثلهم ناشط سياسي ، له حضوره ومكانته الشعبية والسياسية ، ولكنه يتقدم عنهم جميعاً ، أن لديه مشروعاً سياسياً ذات طابع جماهيري تنظيمي حزبي ، ولا يقوله لكونه داعية سياسية ، كما فعل ليث شبيلات وتوجان فيصل وأحمد عويدي العبادي ، فهو كداعية ، يقول ما يقوله عبر مقالته اليومية ، وهو لديه ما يقوله وما يدعو إليه ، وهو بذلك يتميز عن الكثير من الكتاب أن لديه مشروعاً سياسياً ، يسعى له ويعمل من أجله ، ولهذا نجده في عمان والكرك ومادبا والمفرق ، يركض وراء الحدث ويتبناه ويعمل على توجيهه وإدارته ، كقائد سياسي وليس كداعية سياسي .
ما طالب به ناهض حتر ، قادة حماس والفصائل بالتنازل عن جنسياتهم الأردنية سبق وأن طالب به علناً عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس شورى حركة الإخوان المسلمين في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي ، وحدد كل من أسعد عبد الرحمن وحماده فراعنه ، وطالب الحكومة بإبعادهما عن الأردن وإسقاط جنسيتيهما أسوة بقادة حماس الذين تم إبعادهم في ذلك الوقت ، فالمطالبة بهذا المعنى ، ليس سابقة سجلها ناهض حتر ، بل قد سبقه إليها قائد مهم في حركة الإخوان المسلمين الذي لم يجد غير أسعد عبد الرحمن وحماده فراعنه لأبعادهما كون الأول عضو لجنة تنفيذية في منظمة التحرير والثاني عضو مجلس وطني ، مع أنني كنت عضواً منتخباً في مجلس النواب مثلي مثل عبد اللطيف عربيات نفسه حينما طالب بإبعادي عن الأردن .
وما طالب به ناهض حتر بالتنازل عن الجنسية الأردنية سبق وفعلها أغلبية القيادات الفلسطينية ، الذين حددوا خياراتهم في إستعادة هويتهم الوطنية الفلسطينية وحصولهم على الرقم الوطني الفلسطيني ، فتخلوا عن رقمهم الوطني الأردني ، فقد سبق وفعلها ياسر عبد ربه ، وهو بالمناسبة مواليد صويلح وعائلته من سكانها منذ الأربعينيات ، وقد تخلى عن جنسيته الأردنية طواعية بعد عودته مع الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين على أثر إتفاق أوسلو ، و فعلها أسعد عبد الرحمن عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير والذي كان مديراً لمؤسسة شومان الأردنية الذي سبق وعمل بها ناهض حتر قبل أن يتفرغ للعمل الصحفي ، وكما فعلها تيسير الزبري أمين عام حزب الشعب الأردني قبل سالم النحاس ، وكذلك عزمي الخواجا أمين عام حزب الوحدة الشعبية الأردني قبل سعيد ذياب ، بعد عودتهما لفلسطين ، وقد تنازلا أيضاً عن جنسيتيهما الأردنية طواعية .
إذن ليس مطالبة ناهض حتر ، مقتصرة عليه ، فقد سبقه إليها عبد اللطيف عربيات ، ولم تكن إستجابة قادة حماس غير مسبوقة ، فقد سبقهم إليها بالتنازل عن الجنسية الأردنية أغلبية قيادات الفصائل ، ويجب أن تشمل الجميع بلا إستثناء .
مطالبة ناهض حتر مشروعة ، وإن كانت جدلية ، تحتمل الصواب أو الخطأ ، ولكنها توفر غرضين أولهما مواجهة المشروع الأستعماري التوسعي الأسرائيلي ونزوع أحزاب اليمين الصهيوني الذين يسعون مرة أخرى لمحاولات حل القضية الفلسطينية خارج فلسطين كما كان قبل عام 1967 ، وعلى حساب الأردن هذه المرة وليس بالشراكة معه ، وبعد أن نجح ياسر عرفات في نقل الموضوع الفلسطيني وقيادته وأغلبية مؤسساته من المنفى إلى الوطن ، وغدت فلسطين هي العنوان وعلى أرضها يجري الصراع وليس خارجها ، كما كان قبل الأنتفاضة الأولى عام 1987 وقبل إتفاق أوسلو 1993 .
وثانيهما يُبدد القلق الأردني الكامن نحو ما يُسمى " الوطن البديل " لتصبح صورة المشهد واضحة جلية ، هنا الأردن وهناك فلسطين ، ولكل بلد شعبه وظروفه وتطلعاته وقياداته ، مهما بدت متقاربة متحابة متشابكة ومتبادلة في المصالح والمعاناة والتطلعات ولكنها مختلفة لطرفين شقيقين كل منهما له خصوصيته وأولوياته ورجاله .
فالشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة يسعى إلى المساواة داخل مناطق الأحتلال الأولى عام 1948 ، وإلى الأستقلال في مناطق الأحتلال الثانية 1967 ، ونحو العودة إلى اللاجئين من المنافي والشتات ، بينما يسعى الأردنيون أولاً إلى الأمن والأستقرار والديمقراطية والعدالة والأجتماعية ومن ثم يعملون على دعم وإسناد الشعب العربي الفلسطيني لنيل حقوقه الثلاثة ، أي أن أولوياتهم أردنية ، ومن ثم ، ومن بَعد ، فلسطينية وعربية وإسلامية وأممية وهذه أولويات صحيحة وصائبة ولا يجوز خلط الأوراق والتضحية بالأردن من أجل فلسطين ، لأنه حينذاك سنخسر الأردن ونفقد فلسطين ، ولن تربح أي منهما .
دعوة ناهض حتر ، يجب أن تُوخذ بجدية ووطنية وبحرص على الأردن من جانبه كما هو حريص على فلسطين بدون خلط وإدعاءات وبدون مزايدات من جانبه على أحد .