مجلس نواب حساس

يذكرني بطلبة المدارس الابتدائية، فحين لا ينجح أحدهم بإخفاء انزعاجه من كلمة ما أو حركة ما، يكونون كمن وجد كنزا، فيبدؤون باستفزازه كل على طريقته الخاصة، ولا يستطيع المعلم الذي يؤخذ على حين غرة من إعادة الهدوء إلى الصف الذي كسره ذلك الطالب المسكين الذي لم يتحمل استفزازا.

كثير من نوابنا الأكارم لم ينجحوا في إخفاء ما يغيظهم ويستفزهم، فتجدهم يثورون ويرغون ويزبدون، ولأن بيدهم سلطة عكس ذلك الطالب المسكين تراهم يتهددون ويتوعدون.
"نواب وهميون" نسبة إلى الدوائر الوهمية التي اعتمدت في قانون انتخابات مجلسهم، "نواب الـ 111" نسبة للثقة الخيالية التي منحوها لحكومة سمير الرفاعي التي لم تصمد بعدها أشهرا قليلة، "نواب الكازينو" نسبة لتبرئتهم رئيس الوزراء معروف البخيت من أي خطأ في ملف الكازينو، في حين اتهموا وزيرا كان يعمل تحت سمع وبصر رئيسه، "نواب الفستق والكاشو" نسبة للمشهد الذي انتشر على الشبكة العنكبوتية يظهر أحد النواب، وهو يوزع الفستق على النواب وآخرون منهمكون باللحاق به باسطين أيديهم ليعطيهم بعض الفستق.
وفي الخلفية صوت نائب يتحدث في أحد القوانين الهامة، "نواب الفوتيك والجسر"، نسبة للنائب الذي حضر الجلسة بلباس "الفوتيك"، والنائب الآخر الذي قال: "اللي مش عاجبه هي الجسر"، "نواب الشد العكسي" نسبة لغضبة النواب على كلام وزير الاتصال راكان المجالي الذي اتهم قوى شد عكسي بأنها وراء أحداث المفرق، رغم أن الوزير لم يأت على ذكر النواب، ونسبة لغضبتهم على تصريح آخر للمجالي تناول فيه الانتخابات المبكرة.
أي من هذه المسميات كفيل أن يستفز عشرات النواب ليبدؤوا حملة قصف وبيانات ضد من يطلقونها، لكن أكثر ما يستفزهم هو الحديث عن حل المجلس، أو الحديث عن إجراء انتخابات مبكرة، ولا أدري إن كان السبب هو معرفة كثير منهم بأن هذه هي فرصته الأخيرة في احتلال أحد مقاعد المجلس، لذلك فهو يريد أن يستغلها أكبر قدر ممكن، أم أن هناك سببا آخر.
بالأمس طالب عدد من النواب الحكومة بتسريع تقديم قانون انتخابات، وهي خطوة متقدمة للمجلس، ولكن كيف سيتعامل معها النواب الآخرون؟
رغم ذلك فقد تعامل المجلس مع عدد من قضايا الفساد، وشكل العديد من لجان التحقق والتحقيق، وكان له دور بارز في التأشير على ملفات فساد شائكة.
وعليه أن يتعامل مع ملف الإصلاح بذات الروحية، فالمرحلة التي نمر بها مرحلة دقيقة تحتم علينا أن نتعامل معها باتزان ورصانة، وأن تكون مصلحة الوطن بوصلتنا جميعا حتى لو تعارضت مع بعض المصالح الآنية أو الجزئية.