جدل إهانة المسيح يضاعف الضغوط على مؤسسة الأزهر

أخبار البلد - مرّت واقعة سخرية الداعية الأزهري مبروك عطية من السيد المسيح عليه السلام مؤخرا دون محاسبة أو اعتذار رسمي من مؤسسة الأزهر، فالرجل ينتمي إليها وكان عميدا لكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر، ما ترك لدى الكثير من المسيحيين في مصر حالة من الغضب والاستياء لتكرار التعرض إليهم بفتاوى وعبارات مسيئة من رجال دين ويتم التغاضي عنها أحيانا.

وقرر البعض من المحامين مقاضاة مبروك عطية لسخريته من السيد المسيح وتحدد يوم الحادي والعشرين من سبتمبر المقبل موعدا لبدء محاكمته، لكن صمت المؤسسة الدينية عن إصدار بيان براءة من حديث أحد أبرز رجالها المنتشرين في وسائل الإعلام ترك تساؤلات كثيرة مبهمة حول الموقف من علمائها المتشددين فكريا والذين اعتادوا إحداث وقيعة بين المسلمين والمسيحيين.

وكان مبروك عطية قال ردا على إشادة الإعلامي والكاتب إبراهيم عيسى بعظة الجبل لسيدنا عيسى "أنا أتحدى إبراهيم عيسى لو قال ربع ما قاله في القرآن الكريم.. كل كلمة في موعظة الجبل لسيدنا عيسى، بلا السيد المسيح بلا السيد المريخ”، ما أثار غضبا لما تضمنه الحديث من سخرية من شخصية المسيح وازدراء الدين المسيحي.

ودافع مسيحيون عن عظة الجبل أو ما يعرف بشريعة العهد الجديد التي تمثل دستور المسيحية، وطرح خلالها المسيح 21 قضية تنظيمية تشكل لب الإنجيل والعهد الجديد، وألقى عددا من الإرشادات التي ينبغي الالتزام بها، ومنها المحبة والسلام والتشارك والتعايش، وهي سمات يفترض أن مؤسستي الأزهر والكنيسة تحاولان تكريسها في المجتمع كجزء من مبادرات التعايش بين الأديان في مصر لمواجهة النعرات الطائفية والتشدد الذي يسعى لضرب العلاقة بين المسلمين والمسيحيين.

ما أثار غضب الأقباط، هكذا يوصف المسيحيون في مصر، أن الشيخ الأزهري مبروك عطية ألمح إلى أن إشادة الإعلامي إبراهيم عيسى بموعظة الجبل للنبي عيسى ابن مريم، محاولة لدعوة الناس إلى التنصر، وزاد على ذلك بقوله إنه "يشك في وجود دلالة خفية وراء إشادة عيسى بموعظة الجبل”.

وقال ساخرا "المسلمون عندهم القرآن، مش (ليسوا) محتاجين يتعلموا عظة الجبل”، في مؤشر يعكس دلالات كثيرة حول تشدد بعض رجال المؤسسة الدينية تجاه الديانة المسيحية، ويبرهن على أن التطرف الديني ليس وليد اللحظة، لكنه نتاج محاولات عديدة من شيوخ تعلموا في الأزهر ولديهم فوبيا من كل ما هو مسيحي.

ويرى متابعون أن تكرار التعرض للديانة المسيحية من رجال محسوبين على المؤسسة الدينية الرسمية يكرس الضغينة والطائفية داخل المجتمع، ويقود إلى أزمات مستقبلية تصعب معالجتها بسهولة، ولو مرت هذه الأزمة بسلام دون صدام بين متشددين مسلمين وأقباط، ولم يعد هناك بديل عن محاسبة الأصوات التي تسعى لإحداث وقيعة بين الطرفين لتوصيل رسالة ردع للمتطرفين الذين دأبوا على التحريض المعلن وضرب التعايش بين أصحاب الديانات المختلفة.

ويعتقد هؤلاء أن صمت المؤسسة الدينية عن إدانة التقليل من شأن وقيمة المسيح على لسان أحد رجالتها هو محاولة لتبرئة ساحتها والإيحاء بأن عطية لا يتبعها ولا يمثلها، ويتحدث عن وجهة نظره فقط، وهي مشكلة لدى الأزهر الذي دأب على غض الطرف عن الكثير من الأزمات التي تسبب

فيها دعاة ينتمون له، كي لا يضع نفسه في مواجهة مع المتشددين، وربما يكون ما أثاره الداعية جزءا من عقيدة الأزهر.

وأوضح نظير عياد الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية التابع للأزهر عقب الأزمة أن الشريعة الإسلامية تنظر إلى سيدنا عيسى عليه السلام بنظرة مكسوة بالمزيد من الاحترام والتبجيل والتقدير.

لكن حديث عياد جاء في طيات التعليق على الواقعة، أي أنه يعبّر عن رؤية مجمع البحوث كهيئة لا تمثل الأزهر كمؤسسة كبرى يفترض أنها تتحدث بلسان الأغلبية المسلمة، حيث لم يصدر بيانا أو اعتذارا رسميا يهدئ من غضب الأقباط.

وأكد منير أديب الباحث المتخصص في شؤون الإسلام السياسي أن الأزهر يحتاج لمراجعة نفسه والتدخل في تحديد من يتحدث بلسانه بعدما تسبب هؤلاء في إثارة الكثير من الأزمات مؤخرا، فإما يتبرأ منهم بوضوح أو يختار شخصيات عقلانية تملك توازنا فكريا ونفسيا لمخاطبة الناس ويرد عليهم بالحجة وتعرّيتهم أمام المجتمع.

وأضاف لـ”العرب” أن مصر ليست في حالة تسمح بمزيد من الجدل الديني الذي يثير الأزمات بين طرفي الأمة (المسلمون والأقباط)، ودفاع الأغلبية المسلمة عن السيد المسيح وتنصل الكثير منهم مما ساقه بعض الدعاة المتطرفين يعكس أن المجتمع لم يعد بحاجة إلى وصاية دينية، فقد صار واعيا لما يدور حوله من مساعٍ لضرب استقراره من بوابة الدين، مؤكدا أن المسلمين والأقباط في مصر متلاحمان الآن.

وأصبح الأزهر متّهما بالتغطية على سقطات بعض العلماء المنتمين إليه بسبب الفتاوى الشاذة أو الترويج لأفكار متطرفة وبث الضغينة، ما وضعه أكثر من مرة في ورطات مجتمعية، باعتبار أن الدعاة درسوا مناهجه وتخرجوا في جامعته وشغلوا مناصب كبرى داخل هيئاته، ويتم تسويق ذلك مجتمعيا ودينيا على أنهم يعكسون أفكاره ويروجون لها بعيدا عن قيامه بتصديرها بشكل رسمي بدليل عدم تنصله منها.

ويبدو تشدد بعض رجال الأزهر تجاه قضايا بعينها صورة مصغّرة من التطرف الذي يعتري أفكار ورؤى شخصيات قيادية داخل هذه المؤسسة، فهناك علماء يفتون ويثيرون الجدل ويكرسون توتر العلاقة بين أصحاب الديانات في غياب رد فعل قوي وصارم من الأزهر وتصحيح ما يثار من واقع أدلة تزيل الآراء الشاذة.

ومن شأن استمرار السقطات الكلامية لدعاة محسوبين على الأزهر بشأن الأقباط أن يؤدي إلى إجهاض مبادرات تم إطلاقها حثت على التعايش بين الأديان، وفي ظل توظيف أزمات مفتعلة من جانب عناصر متشددة يمكن أن تحدث فتنة دينية، فاللعب على وتر الطائفية لا يزال وسيلة سهلة لتأليب الشارع والضغط على النظام الحاكم.

وكثيرا ما أفتى علماء يتحدثون بلسان الأزهر بأن الأقباط "كفار”، وآخرون ذهبوا إلى تحريم إقامة علاقات صداقة مع المسيحيين، وهناك فريق ثالث وصف من يهنئهم في أعيادهم أو يُلقي عليهم السلام أو يترحّم عليهم بأنه "مذنب دينيا”، ما يوحي أن الأزهر مخترق بشكل غير مسبوق من المنحرفين دينيا، ما يضع عليه عبئا للتخلص من الأفكار غير السوية ويصبح جريئا في التبرؤ من التراث الذي يتم التعامل معه كمقدس.

الأزهر أصبح متّهما بالتغطية على سقطات بعض العلماء المنتمين إليه بسبب الفتاوى الشاذة أو الترويج لأفكار متطرفة وبث الضغينة

ولا يجب محاسبة الأزهر على سقطات رجاله فقط، لكنه يجب أن يتحمل جزءا من الأزمة، لأنه ترك للمتطرفين ساحات الفتوى ومنابر الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بلا ضوابط حاكمة.

ويتحدث هؤلاء في كل شيء، وإذا أخطأ أحدهم لا تتم محاسبته، ما كرّس تغييب الوعي في المجتمع، ودخل الناس في مرحلة خطرة من الشد والجذب بسبب أزمة أثارها داعية أو فتوى نطق بها أزهري أو جدلا مصطنعا افتعله شيخ.

ويخشى مراقبون من أن يكون الأزهر مؤيدا للحالة الجدلية التي دأب رجاله على صناعتها ليظل في صدارة المشهد، فليس من الطبيعي أن يتحدث علماؤه بحدة ويردون على أصحاب الطروحات المختلفة بدافع الغيرة على الإسلام، لأنهم ليسوا ممثلين للدين ولا حماة له، كما أن الأزهر كرّس لدى المنتمين إليه بأنه حارس الإسلام، وواجب على من ارتدى عباءته أن يدافع عن تلك العقيدة وفق ما تعلم وفهم واستوعب من التراث.