البطالة الأردنية .. نسب وحلول

أخبار البلد ــ تعرف البطالة على أنها ظاهرة إجتماعية إقتصادية تحدث عندما لا يجد الأفراد فرصة عمل بالرغم من سعيهم وبحثهم الجاد عنها. كما تعد مؤشرا ومقياسا أساسيا عن صحة الوضع الإقتصادي لأي دولة، فإن زيادة هذا المعدل يعني إنخفاض الإنتاج الإقتصادي، وبما أن الأشخاص العاطلين عن العمل سوف يستمرون باستهلاك المنتجات الأساسية للحياة فهذا يعني إنخفاض الإنتاج دون إنخفاض نسب الإستهلاك مما يسبب مشاكل إقتصادية عدة.

بلغ معدل البطالة 23.3% للربع الرابع لعام 2021، كما بلغ معدل البطالة لفئة الشباب (15 – 24 سنة) 50% لنفس الفترة. جاءت هذه الزيادة لما شهده العالم من الإغلاقات بسبب كوفيد-19، ولكن إنخفضت هذه النسب للربع الأول من عام 2022 إلى 22.8% و 40.4% لفئة الشباب.

إرتفع معدل العاملين من 34% لعام 2008 إلى 35% لعام 2009، ومن ثم بدأ المؤشر بالهبوط المتتالي ليشكل ما نسبته 25% لعام 2021، وهذا مؤشر خطير نظرا لقربه من نسبة العاطلين. إذ إرتفعت نسبة العاطلين من 12.7% في عام 2008 إلى ما يقارب 23% في يومنا هذا. وبما أن مفهوم القوى العاملة يجمع ما بين الأردنيين وغير الأردنيين، فإن معدل القوى العاملة للأردنيين شكل ما نسبته 78.8% من إجمالي القوى العاملة لعام 2008، بينما إنخفض ليشكل 65.4% لعام 2021.

نستطيع أن نربط معدل البطالة بالناتج المحلي الإجمالي بصورة سريعة كالتالي؛ عندما كان يشكل معدل البطالة من 12-13% للفترة 2008-2015، كان معدل النمو للناتج المحلي الإجمالي ما بين %3.8 و 5% لنفس الفترة، بينما عندما إرتفع معدل العاطلين عن العمل ليشكل 18.6% لعام 2018 على سبيل المثال، إنخفض معدل النمو ليشكل 1.93% فقط. وعندما إرتفع الأول إلى 24.7% لعام 2020، شكل الآخر إنخفاضا ليصل إلى -1.55%. وهذا يدل بالتأكيد على العلاقة التي تربط المؤشرين.

حل مشكلة البطالة يكمن بوضع رؤية ونهج وإستراتيجية واضحة تسير عليها الحكومة لمدة زمنية ليست بقصيرة، لما تتطلبه هذه الخطوات من وقت وعمل وجهد. سنلخص بعض من الإقتراحات النظرية والحلول الفنية بعد إيضاح نقطة مهمة لا بد من التنويه لها؛ أن الحكومة بحاجة إلى الإنتاجية الفعالة في العمل من قبل الموظفين الحاليين قبل البدء بعملية التوظيف. وحتى تتم عملية التوظيف بالشكل السليم لا بد من تدريب المتقدمين للعمل قبل إشراكهم به، حتى يرفعوا من العملية الإنتاجية لا أن يكونوا عبئا عليها. وللتدريب بالطبع عدة مؤسسات وهيئات حكومية، كمعهد الإدارة العامة ومؤسسة التدريب المهني.

• تعزيز بيئة الإستثمار والعمل

طرحت الحكومة منهجية لتعزيز بيئة الإستثمار، وجاءت هذه المنهجية لتسهيل الإجراءت أمام المستثمرين والإسراع في إنجاز التحول الإلكتروني الذي من شأنه تعزيز الشفافية وحماية المستثمرين. ولكن هل هذا يعد كافيا؟

هناك علاقة إقتصادية مترابطة ذات دلالة إحصائية ما بين الإنتاجية والإنفاق والضرائب والبطالة. فكلما زاد الإنفاق العام زادت الإنتاجية (طردية). وكلما إنخفضت الضرائب زادت الإنتاجية (عكسية) وبالتالي إنخفاض البطالة (طردية). ومن هنا، تعزيز البيئة الإستثمارية يكون بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة (إن لم يكن بالإنفاق، بإلغاء أو خفض الضرائب) في المراحل الأولية من عملية الإنتاج، خصوصا للأردنيين قبل الإستثمارات الأجنبية. كما يجب تعزيز صندوق التنمية والتشغيل وغيره من مؤسسات الإقراض الحكومي ليكون لهم دور أكبر في المراحل القادمة، بتسهيل عمليات الإقراض. من ناحية أخرى، جاء في بنود قانون تشجيع الإستثمار الجديد بأنه يحق للإستثمارات الأجنبية أن توظف ما يصل إلى نسبة 100% من موظفيها من غير الإردنيين إذا كانوا ذو كفاءة وهذا من شأنه أن يدعم مشاريعهم. وهذا عكس ما ورد في قانون العمل والعمال الأردني الذي يقضي على المؤسسات الأجنبية بأن يشكل العمال الأردنيين 51% من إجمالي العمال لديها. بينما خفض قانون الإستثمار الجديد الضرائب على المشاريع في المحافظات والمناطق النائية، وهذا كان بعض من البنود الإيجابية لهذا المشروع.

• جذب المشاريع الأجنبية

هذه العملية لا تقتصر فقط بجذب المشاريع الأجنبية بل وإخضاعها لقانون العمل والعمال (بتوظيف الأردنيين)، ويكون ذلك بمنحهم بعض التسهيلات، كخفض الضرائب الرأسمالية أو إعطائهم فترة سماح للإيجار (الأراضي) أو من خلال خفض التكلايف الإنتاجية للمشاريع (كهرباء، ماء...الخ). وهذا لا يقتصر أيضا على المشاريع الكبيرة (باستثمار أكثر من 5 ملايين) كما أطلقت عليهم الحكومة في قانون الإستثمار (المستثمر الكبير)، فيجب أن يكون للمستثمر (الصغير) حصة من هذه الإعفاءات أو التسهيلات خصوصا ما إذا كانت المشاريع المرغوبة في المحافظات وتشغل أبنائها.

• إشراك القطاع الخاص والعام في العملية الإنتاجية

تطبيق هذه العملية يحتاج إلى هيكل تنظيمي متكامل ومؤسسة تكون معنية بالمتابعة والإشراف عليها. على سبيل المثال؛ هل يعد الشخص الذي يبحث عن عمل بشكل جاد والمتقدم للقطاع الخاص بالعاطل عن العمل إذا لم يقم بالتسجيل مسبقا في ديوان الخدمة المدنية؟ بالطبع لا. لأن الحكومة لا تتلقى من القطاع الخاص هذا الجزء من المعلومات وذلك بغياب الدور في الإشراك ما بين القطاعين وبالتالي لا يعد هذا الشخص من القوى العاملة. أيضا، إشراك القطاعين في العملية التدريبية أمر مهم للغاية، فتعزيز قدرات الموظف الحالي من شأنها توسيع العملية الإنتاجية التي تحتاج بدورها إلى توظيف عدد أكبر من العاملين. من ناحية أخرى، تحقيق الأهداف المطلوبة لأحد القطاعين بمساعدة الآخر هو من أهداف التنمية المستدامة التي تسعى إليها المملكة.

• تعزيز وزارتي الصناعة والزراعة

لا تسع السطور حق الوزارتين.. فلدولتنا موقع جغرافي إستراتيجي تحلم به دول عظمى، بمناخها وترابها ومعادنها.

يساهم قطاع الزراعة اليوم بنسبة 5.6% فقط من الناتج المحلي الإجمالي ويعمل فيه 3.5% من مجموع القوى العاملة، وتشكل الصادرات الزراعية 15.4% من مجموع صادرات المملكة، يذهب 90.5% منها إلى الأسواق العربية. بينما كان يشكل هذا القطاع ما يزيد عن 36% من الناتج المحلي الإجمالي في أواخر التسعينات. إلى أين يتجه هذا القطاع؟ لا بد من البدء بتعزيز مهام وزارة الزراعة ليس فقط لهدف الإشبلاع الداخلي وتعزيز المخزون الغذائي، أيضا لإشراك العمالة بهذا القطاع وتوسيعه لزيادة الصادرات ورفع الإنتاجية.

يعد قطاع الصناعة أيضا من القطاعات المهملة، فالعامل التكنولوجي لا يغطي هذا القطاع، فنحن نفتقر في دولتنا للصناعات الثقيلة، كالسيارات والطائرات والدبابات وغيرها، كما أننا نفتقر للمصانع الغذائية، فأغلب المنتجات الغذائية في السوق الأردني نقوم باستيرادها من الدول الشقيقة، كالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. فيساهم هذا القطاع فقط بما نسبته 25% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعزيز هذا القطاع بالطبع هو عامل مهم جدا لخفض البطالة ورفع الإنتاجية.

التدريب على الحرف والصناعات اليدوية أيضا هو من الحلول المدرجة لهذا القطاع، وهنا تأتي مسؤولية ودور مؤسسة التدريب المهني.

• السعي بالتعليم هو نهضة الأمم

يقصد بالتعليم ليس فقط التلقين في المدارس والجامعات، التعليم يشمل التدريب لبيئة العمل ونمذجة توجهات الطلاب نحو الإنتاجية، كالصين على سبيل المثال، فللتدريب المهني والصناعي جزء كبير من العملية التعليمية في المدارس والجامعات، فينمو عقل الطفل على حب الإنتاج والإبتكار.

وهنا يأتي دور وزارة التربية والتعليم، فيجب نمذجة المناهج لما يطلبه سوق العمل، ويجب فتح الأفق للطلاب للتدريب أثناء مرحلة الدراسة وبعدها، ليكونوا جاهزين للإنخراط في سوق العمل.  هناك الكثير من الحلول الأخرى، فلا يمكننا السير نحو التنمية المستدامة ولا زلنا نعاني من مشكلتي الفقر والبطالة. وبالطبع للبطالة دور كبير في ظاهرة الفقر، فهما وجهان لعملة واحدة.

حفظ الله الأردن تحت ظل الرعاية الهاشمية الحكيمة من كل مكروه.