هل أخذت حركة الجهاد الإسلامي على حين غـِـرَّة؟
أخبار البلد ــ بداية على الرغم من ايماننا المطلق بالقدرات القتالية العالية لحركة الجهات الإسلامي وذراعها العسكري سرايا القدس وتاريخها المشرف في النضال الفلسطيني وبما لقنت الاحتلال من دروس كثيرة لن ينساه ابدا في ردع اعتداءاته المتكررة وإجرامه المتواصل بحق ابناء الشعب الفلسطيني وان صواريخها النوعية فرضت حالة خوف ورعب لا تطاق داخل الكيان الاسرائيلي تسببت بزعزعة أمنه المزعوم الذي يتغنى به وان قياداتها وعناصرها ما زالوا الاشد ميثاق ووضوح وانتماء ونهج على طريق الكفاح المسلح لطرد الاحتلال وتحرير كل ارض فلسطين.
الا ان كل ذلك لا يمنعنا عن رفض الحديث بالمطلق بان الحركة في العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة تعرضت لما يسمى بالخديعة المبيتة او الوقيعة المدبرة او المباغتة المرسومة او انها اخذت على حين غفلة لأننا نتعامل حركة جهادية وطنية تمتلك كوادر مؤهلة سياسيا ومدربة عسكريا ولها باع طويل في مهمات الرصد والمتابعة لتحركات العدو من خلال جهازها الأمني والاستخباري النشط والفعال.
لا نتحدث هنا عن قضية علاقات عامة تختلف فيها الآراء ووجهات النظر او عن عقد صفقة تجارية يعتريها الغبن وسوء التقدير لنتعامل مع الأمور بمستوى واضح من الصراحة والتقييم لقد كان هنالك عدم حرص واهتمام واستعداد ولا يمكن بتاتا ان نجد في تاريخ الثورات ومسيرة حركات المقاومة والتحرير العالمية شيء من الركون الى مصداقية او صفاء نوايا العدو او الاعتماد على تصريحات قياداته السياسية والعسكرية وأعلامه المضلل للتعامل مع الاحداث ومجرياتها دون تحليلها وفهمها والتحوط من مخاطرها خاصة اذا كان الامر يتعلق بفرضية وجود استهداف للقيادات العسكرية او السياسية في الداخل والخارج ولنا في اغتيال المؤسس الراحل فتحي الشقاقي وغيره من الكوادر والقيادات الف عبرة.
حركة الجهاد الإسلامي تعلم جيدا ان إسرائيل تستعديها بالمطلق وتعتبرها فصيل متمرد وذو أيدلوجية متطرفة تجاه وجودها فضلا عن ارتباطها بإيران والتماهي مع توجيهاتها وكما تدرك الحركة أيضا ان هنالك استعدادات واسعة منذ هور للعودة إلى سياسة تصفية قادة المقاومة كبديل لشن عدوان عسكري واسع النطاق في قطاع غزة وقد كان حري بها ان تحتاط وتستعد جيدا وان ألا تقدم خيرة قادتها لقمة سائغة للتصفية.
معلوم للجميع ان نهج الاغتيالات سياسة ثابتة لدى الكيان الإسرائيلي الذي ولد من رحم العنف والقتل والارهاب مما كان يفترض على الحركة ضرورة الانتباه الى ذلك وتوخي أقصى درجات الحيطة والحذر من أي غدر محتمل و مفاجئ بالإضافة الى السعي لإيجاد قوة ردع لسياسة الاغتيالات خاصة في هذه المرحلة الحساسة التي يعيش فيها كيان الاحتلال تخبط داخلي حاد جراء الصراعات المستعرة بين المعسكر اليميني والقومي والأحزاب السياسية الأخرى وهو ما يزيد من عدوانيته تجاه الفلسطينيين وهذه ليست المرة الأولى التي تدفع غزة ثمنًا مبكرًا من دماء أبنائها للانتخابات الاسرائيلية.
كما كان يتوجب على الحركة وذراعها العسكري ايضا أخذ تهديد قائد الجيش الإسرائيلي غانيس باغتيال قيادات المقاومة على محمل الجد والاستعداد الجيد لأي محاولة جبانة بتشديد الإجراءات الأمنية والعسكرية الاحترازية خشية من اي مباغتة إسرائيلية لشخصيات مهمة من قادة الحركة وذراعها العسكري والسؤال لماذا لم يتم تكثيف الحراسات وتغيير الإقامات وحتى مسارات الذهاب والإياب والاستعداد لأسوأ السيناريوهات دون تردد أو انتظار لقطع الطريق على مخططات الاحتلال في ظل وجود الاف من العملاء والجواسيس على الارض والمئات من طائرات الاستطلاع في السماء كسلاح فعال ومتعدد المهام.
جميع التحركات الإسرائيلية قبل العدوان بشهور سواء العسكرية أو السياسية أو الأمنية كانت تشي بأن الاحتلال الإسرائيلي يستعد لأمر يدبر بالخفاء تجاه الحركة ففي الشأن العسكري مثلا كانت طائرات الاستطلاع التي لا تفارق سماء غزة وهي ترصد أهداف تخص مقرات الحركة ومنازل قياداتها ومراصدها ومستودعات اسلحتها لاستهدافها خاصة وان خبرة الجهاد مع هذا المحتل مزدحمة بعمليات الغدر والخيانة.
لاحظوا جيدا بعد الاتفاق بين القطاعات السياسية والعسكرية والأمنية تركوا قطاع غزة لفترة زمنية سادت خلالها حالة من الهدوء وظهرت بوادر النية لإبرام صفقة للأسرى لكن هذا الهدوء كان مجرد خدعة وخطوة استباقية قبل العملية العسكرية الاخيرة ضد الحركة وقياداتها وترسانتها الصاروخية والعسكرية.
تضليل المقاومة الذي حقق أهدافه في هذه المرة بدأ بمناورة في جنين باعتقال الشيخ بسام السعدي امير الحركة في الضفة في حين كانت العين الاسرائيلية الغادرة على غزة وعلى قائد سرايا القدس تيسير الجعبري حيث عمدت بعد اعتقال السعدي الى نشر صور لسحله وضربه لكي تستفز حركة الجهاد وتستجرها الى إطلاق تهديدات بالانتقام لتتخذها حكومة الاحتلال ذريعة للهجوم المباغت على غزة.
المخابرات العسكرية البريطانية كشفت مؤخرا في تقرير خاص أن إسرائيل خططت منذ شهور للعملية العسكرية في قطاع غزة حيث قال مصدر بجهاز المخابرات البريطانية لصحيفة التايمز إن إسرائيل كانت تخطط منذ عدة أشهر لعملية قطع رأس حركة الجهاد الإسلامي وقد استغلت الانقسام بين قيادات الحركة لتنفذ الضربة التي وجهتها وقد كان من المتوقع جدا ان يقدم رئيس الحكومة الاسرائيلية المؤقتة يائير لابيد على شن عملية عسكرية بشعارات انتخابية حتى ولو على حساب ارباك الجبهة الداخلية.
القيادة العسكرية الإسرائيلية لجات قبل أيام قليلة من العدوان الى ممارسة سياسة التضليل من خلال تصريحات معينة وأنماط سلوك تظهر عدم رغبتها بتوجيه أي ضربة عسكرية لان الحياة الطبيعية عادت الى منطقة غلاف غزة وهذا من أجل دفع فصائل المقاومة للطمأنينة والتراخي وعدم الاستعداد وأخذ الحيطة والحذر.
من الأمور الهامة التي ساعدت في تنفيذ العدوان على القطاع بهذه الطريقة غياب الهيكل القيادي العسكري المتماسك والمنظم في حركة الجهاد الإسلامي مما اضطر القيادي تيسير الجعبري إلى قيادة العمليات العسكرية بنفسه بدلا من أن يضمن حمايته في نقطة حصينة وبهذا يمكن القول ان الحركة استدرجت وفق التخطط الإسرائيلي للبدء بضربها وشلّ نشاطها وتعطيل قدرتها على المواجهة لكن ذلك على ارض الواقع كان شرارة الانطلاق لمواجهة أشمل وأكثر صعوبة ضد المستوطنات المحاذية للحدود والمدن الإسرائيلية الرئيسية في الداخل حيث فتحت صواريخ الحركة بازار للدم أمام جيش صهيوني متعطش للدماء.
المهم في هذا الشأن أن نتذكر أنه في صباح اليوم الذي اغتالت فيه إسرائيل القيادي في كتائب القسام أحمد الجعبري حرص نتنياهو ووزير حربه باراك في حينها على التوجه لهضبة الجولان من أجل الإيحاء بأن غزة ليست على رأس أولويات إسرائيل ولن تكون محل استهداف وقد انطلت الحيلة وتمت العملية.
غالبية النشطاء الفلسطينيين وصفوا ما جرى من عدوان على غزة خاصة بعد تدخل الوسيط المصري بأنه تواطؤ أو رسالة استخفاف إسرائيلية بالوسيط المصري كما تحدثوا عن الغدر الذي أتى من الوسيط المصري فيما يتعلق بمفاوضات التهدئة واعتبروا ان عمل الوسيط المصري لا يتجاوز الدور الوظيفي الذي يمثل غطاء لتمرير مخططات الاحتلال حيث اصبح كأنه متورط في مقتل قادة حركة الجهاد بغزة.
قبل ساعة فقط من العملية الغادرة كانت هناك اتصالات من قبل حركة الجهاد الاسلامي مع الجانب المصري ابلغها فيها بأنه ستعقد يوم الأحد 7 أغسطس 2022 أي بعد يومين من الاعتداء اجتماعات مع الاحتلال لحلحلة الأزمة لكنه العدوان الإسرائيلي على غزة كان في 5 اب والسؤال ثانية كيف اقتنعت قيادات الحركة بمثل هذه الوعود والتطمينات بكل سهولة وبساطة وربما سذاجة دون تحليلها وفهما على طريقة الخديعة والمراوغة المعتادة من قبل إسرائيل للمصريين والفلسطينيين معا.
مخابرات جيش الاحتلال خلال المفاوضات التي جرت حول اختطاف الشيخ بسام السعدي تنصتت والتقطت الاتصالات الهاتفية بين الوسيط المصري والفلسطينيين وعلى أثرها الى جانب معلومات استخباراتية اخرى قامت بتتبع مسار قيادات الحركة واغتالت القيادي تيسير الجعبري وبعض القادة والكوادر الأخرين.
لقد كان لافتاً جدا أن حساب أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس كتب على تويتر إن الوسيط المصري أبلغهم قبل العدوان بأن هناك هجوم اسرائيلي وشيك ضد القطاع وقد أثار ذلك تساؤلات واسعة لدي الفلسطينيين فيما إذا كانت مصر وحماس كانتا تعلمان مسبقا بأن إسرائيل ستضرب غزة.
العدوان حدث فعلاً دون اي تدخل من الوسيط المصري وكأن الاحتلال يريد أن يوصل رسالة ملغومة لأهل غزة ومقاومتها بأن الوسيط المصري ( بات شريكاً بشكل أو بآخر ) وأن الوساطة المصرية تعمل لتضييع الوقت أعطت الفرصة للعدو لينفذ جرائمه باغتيال 10 من المجاهدين وعدد من المواطنين في القطاع.
ضرب الكيان الإسرائيلي للوساطة المصرية للتهدئة مع حركة الجهاد الإسلامي عرض الحائط لم يأتي عبثا وقد سبقه موافقة ورغبة أمريكية بعد اتصال غينس مع بلنكن وذلك لتحجيم دور مصر بعد افتتاحها محطة الضبعة النووية بالتعاون مع الجانب الروسي ولرفضها صفقات الحبوب الأوكرانية وقيامها بمساعدة روسيا في تصدير شحنات النفط من خلال ميناء الحمراء في الإسكندرية.
الصحفي الإسرائيلي يوشع ليشتير زعم هو الاخر عبر حسابه على تويتر بأن ضابطاً إسرائيلياً كبيراً بالأمن القومي أبلغه أن الهجوم على غزة تم التحضير والتنسيق له وقد اخطرت مصر بتبليغ حركة حماس عن هدفه وذلك في إشارة لما تردد أن إسرائيل طلبت من مصر إبلاغ حماس أنها ستضرب اهداف لحركة الجهاد الاسلامي فقط وهي ليست معنية بالتصعيد مع حماس.
الدافع الحقيقي الذي جعل الاحتلال يسارع في توجيه الضربة الغادرة على غزة هو عدم قدرته على احتمال البقاء لمدة أطول في حالة توتر وترقب بانتظار هجمات متوقعة تشن عليه من غزة بعد جرائمه المتواصلة في جنين ونابلس والقدس وهي المعادلة التي سعت المقاومة لفرضها لكنها لم تأخذ في الحسبان نتائجها وإمكانية خرقها وراهنت وسعت على بقائها لأطول مدة ممكنة لبقاء حالة لاستنزاف النفسي وشدّ الأعصاب مستمرة لدى المستوطنين وعناصر الجيش الاسرائيلي.
الشعب الفلسطيني ليس بيدقاً لأهداف ومخططات الصهاينة والغرب الاستعماري وسياسة الاغتيال لم ولن تنجح في ثنيه عن استمرار المقاومة للاحتلال ومن المؤسف ان قطاع غزة بقي كالعادة يقصف مراراً بالنار وبالخيانة والغدر ويقاوم وحيداً في مواجهة العدوان والطغيان وهو يعلم أن دمشق تبكي وبيروت تئن وبغداد نازفة وباقي الدول العربية اما مكبل وحبيس او رهين لاتفاقيات ابراهام.
رغم كل هذه الهزات والانعطافات والضحايا والخسائر ستبقى حركة الجهاد الإسلامي بحول من الله تعالى ولّادة للفرسان والأبطال وهي تدافع عن الأقصى والقدس وتدحر كل المؤامرات والخيانات والمكائد وان دماء الشهداء لن تذهب هدرًا مهما طال الزمان او قصر وان عمليات الانتقام قادمة لا محالة ولن يردع الاحتلال إلا وحدة ساحات المقاومة في الضفة وغزة والداخل المحتل والتكاتف ورص الصفوف لكسر إرادة الاحتلال ووقف عدوانه الغاشم على غزة العزة وأهلها الصابرين.
mahdimu.barak@gmail.com