قصة شابين أردنيين يبيعان الخضار ليدرسا ويعيلا اسرتهما

أخبار البلد - ثماني ساعات يقضيها علي ذو الثمانية عشر ربيعا في بيع الخضار يوميا برفقة أخيه في مكان اعتاد الناس على وجودهما فيه ويستثمران الوقت بين زبون وآخر بالدراسة قدر المستطاع.

يدرك الأخوان "علي" و "نبيل" (اسمان مستعاران) أن التفوق الدراسي لا يأتي إلا بالمثابرة والسعي المستمرين لأن ظرفهما مختلفة ويحملان على عاتقهما مسؤولية إعالة أفراد أسرتهما بعد أن توفي والدهما.
فبعد أن استكمل امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة، تمنى (علي) على الله النجاح والتوفيق لتحصيل معدل يمكنه من تحقيق حلمه في دراسة الطب، مثمنا ما قدم له ممن عرفوا قصة كفاحه واتصلوا به للاطمئنان على سير اختباراته قائلا "لا ينسى ذلك الرجل الذي أمن له بطاقة مدفوعة الثمن ليراجع دروسه من خلال إحدى المنصات التعليمية".
وأضاف، إن دخل اسرته الثابت يبلغ 185 دينارا شهريا وهو مبلغ لا يكفي لسد احتياجاتها في ظل وجود أدوات كهربائية بالأقساط ومصاريف تتعلق بتأمين مواصلات عدد من اخوته من وإلى المدرسة، بالإضافة لايجار السكن ومن أجل ذلك كله توجه مع أخيه لهذا العمل طلبا للرزق.
الأربعينية رغدة صافي وهي إحدى السيدات التي تتردد بصورة دورية على الأخوين للشراء منهما تقول إن ما لفت نظرها تلك الحقيبة المدرسية التي يركنها أحد الأخوين (نبيل) إلى جانبه معظم الوقت وكأنها رفيق صدوق يؤنس ساعات عمله، مشيرة الى أنها تسأل باستمرار عن أخبار هذين الأخوين وتشعرهما بوقوفها إلى جانبهما فالدعم المادي وحده لا يكفي من وجهة نظرها.
إلى ذلك أثار مقطع مصور انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي سجله مدرس في إحدى الجامعات حين تفاجأ لدى توقفه للتزود بالوقود أن أحد طلابه يعمل بالمحطة لتأمين مصروفاته الدراسية.
وركز متخصصون على أهمية السعي الدؤوب لمواجهة التحدي بالإرادة، مشددين أيضا على أهمية اكتساب مهارات إدارة الوقت لأن نيل المطالب لا يكون بالتمني، والنجاح يولد من رحم الكفاح، بحسب بترا.
وأشاروا الى كثيرين ممن حققوا نجاحات في دراستهم رغم ظروفهم الصعبة مقارنة بغيرهم ممن تتوفر لديهم كل الإمكانيات ولا يحالفهم النجاح.
وبين أستاذ إدارة الأعمال وخبير إدارة الجودة الدكتور ابراهيم العجلوني أن سمة التحدي تغلب على واقع الكثير من الطلبة الذين يدرسون ويعملون في الوقت ذاته، ومع ذلك ينجحون في تحصيل أعلى المعدلات ويحرزون تفوقا منقطع النظير، مؤكدا أن إدارة الوقت بالشكل الأمثل هي سر هذا الإنجاز.
وتابع: لا بد من تذكر موروثات العديد من علماء العرب والمفكرين الذين تركوا إرثا علميا مهما خلال فترة عمرية قصيرة نسبيا عاشوها، مؤكدا في هذا السياق أن للشعور بالمسؤولية تأثيرا كبيرا في ذلك، فعندما تقع على عاتق أحدهم مسؤولية إعالة أسرة أو السعي وراء تحصيله العلمي في ظروف اقتصادية صعبة فإن ذلك يخلق حافزا للنجاح في العمل والدراسة على حد سواء.
من جانبها أكدت المشرفة التربوية الدكتورة أسماء حميض أن أصحاب الهمم يتميزون بإصرارهم، وأن نجاحهم نابع من كدهم وكفاحهم بالرغم من ظروف صعبة تحاول عرقلة مسيرهم، فبالسعي الجاد تمكن كثر من تحقيق مكانة علمية مرموقة وحمل شهادات علمية مشرفة، من خلال تنظيم وقتهم بشكل استثنائي.
وأكدت أن هؤلاء يصنعون نجاحاتهم بأيديهم رغم أنهم يسمعون أو يواجهون مواقف محبطة تشعرهم بأن ظروفهم ستحول دون نيل مبتغاهم، لكن هذا كان يزيد من حماسهم وإصرارهم على تحدي كل الظروف، فانغمسوا في مهماتهم أكثر الى أن حثقوا مبتغاهم.
ودعت حميض القائمين على العملية التعليمية الى توجيه النصائح لمثل هؤلاء الطلبة حول أفضل الطرق والأساليب للدراسة، ودعم تكيّفهم مع الظروف المحيطة واستغلال أي فرصة لديهم في التعلّم، والإفادة من الأجهزة الذكية وتطبيقاتها.
ويقول اختصاصي الأمراض النفسية الدكتور أحمد عبد الخالق، إن تحمل هؤلاء الطلبة مسؤولية عمل مناسب لسنه وإمكانياته الجسدية والنفسية من أجل هدف سامٍ يكسبه خبرات تحدث تغيرا جذريا في شخصيته، فينمو داخله حس المسؤولية وأهمية الوقت والمال، كما يكتسب مهارات التعامل مع الناس.