وجوه القاعدة وتحولاتها.. عصر ما بعد الظواهري لا كما قبله!

أخبار البلد - بمقتل مؤسسه أسامة بن لادن، تلقى تنظيم القاعدة الإرهابي ضربة موجعة عام 2011 في مخبئه بباكستان، لم تقصم ظهره، بقدر ما أعطته مبررا جديدا للاستمرار، بوجود خليفة جاهز لطالما حرص بن لادن على إبقائه إلى جواره في غالبية ظهوراته الإعلامية، فكان الطبيب المصري أيمن الظواهري مستعدا تمام الاستعداد لقيادة التنظيم في تلك المرحلة الحرجة.

إعدام بن لادن لم ينه القاعدة، فقد كان الزعيم الذي تشابكت حياته بالأساطير قد توارى وخفت بريقه في الأعوام التي سبقت تلك اللحظة، تماما كما توارت القاعدة ولم تعد العدو رقم 1 للغرب الذي كان يستعد لمرحلة جديدة انطلقت في العام ذاته 2011 عام الثورات في العالم العربي والتي هيمن على غالبيتها الإسلاميون وحاولوا أن يصبغوها بصبغتهم، الإخوان المسلمون الذين هم الرحم الأولية التي خرجت منها القاعدة وفكرها بالأساس. ولا حاجة للتذكير بوثائق وتصريحات جريئة لكبار القياديين الإخوان أكدت خروج غالبية القيادات التنظيمية المتشددة من تحت عباءة الإخوان، من بن لادن إلى أبي بكر البغدادي، ناهيك عن اعتراف زعيم جبهة النصرة أبومحمد الجولاني بتأثره بفكر حسن البنا، وصولا إلى الظواهري ذاته الذي بدأ حياته إخوانيا واعتقل في سن المراهقة لهذا السبب، والذي لقي مصرعه قبل أيام في غارة لطائرة أميركية مسيرة ضربت المنزل الذي كان يقطنه في الحي الدبلوماسي وسط كابل.

بدراسة تحولات أولئك الزعماء وغيرهم، تجد أن مسار تنظيم القاعدة يكاد يكون مطابقا للتقلبات التي طرأت عليهم فكريا ومن ثم وظيفيا، فالظواهري الذي انطلق من فكر الإخوان سيجد نفسه وسط تنظيم متطرف آخر بعد قليل، مشاركا في تأسيس تنظيم ”الجهاد"، رفقة الشيخ عمر عبدالرحمن، وذلك الخط أوصله إلى أفغانستان حيث حاضن جديد لفكر متطرف أكثر، تحت غطاء العمل الإغاثي الطبي في بيشاور الباكستانية.

الظواهري كان يختلف عن بن لادن في التفكير، مع أنه تصرف طيلة الوقت كقوة خلفية تعطي إشارة إلى الجميع أن الإخوان المسلمين والمصريين منهم تحديدا يساندون القاعدة وهم عصبٌ قوي في بنيانها. ولم يكن لتلك الإشارة أن تكون مثيرة هكذا لولا أن التأثيرات المتبادلة سياسيا وأمنيا كانت سرعان ما تنعكس على المناطق التي ينشط فيهما كلا التنظيمين، لذلك تراجعت القاعدة تحت قيادة الظواهري متيحة المجال لرديفه المدني الذي قرّر أن يلعب في هذه المرحلة أدوارا سياسية عبر الانتخابات والبرلمانات والمؤسسات الحاكمة وصولا إلى رئاسة الجمهورية في مصر على سبيل المثال.

حين أخذت جماعة الإخوان في الانحسار نتيجة اصطدامها أولا مع القوى الثورية المدنية التي أطلقت موجة الربيع العربي، ونتيجة الصفقات التي كانت تعقدها مع فلول الأنظمة التي انهارت غالبيتها، وبعد ذلك مع تلك الأنظمة حين استعاد بعضها عافيته، عادت القاعدة من جديد، لكن في بؤرة أخرى لم تكن متوقعة، في إدلب السورية، فاجتاحت جبهة النصرة المساحات وعقدت الاتفاقات تحت راية البيعة للظواهري.

وأدى الظهور السريع والمفاجئ لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق بزعامة البغدادي إلى ولادة منافس جديد للقاعدة، لم يكن في الحسبان. ليس هذا فقط، بل إنه سيناصب القاعدة العداء ويحاربها ويقتل منها كثيرين.

قبل ذلك اشتد صراع بين القاعدة والبغدادي حول من يملك القوة الأكثر عنفا على الأرض، وفي أبريل 2013 كان البغدادي يعلن عبر رسالة صوتية على الإنترنت أن جبهة النصرة جزءٌ من ”دولة الخِلافة" وأنه تم دمج جبهة النصرة مع دولة العراق الإسلامية في مجموعة واحدة ستحملُ اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام.

وكشف فيه أنه قام بإرسال الجولاني إلى سوريا لتأسيس فرع للدولة الإسلامية هناك. غير أن الجولاني لم ينتظر كثيرا، فخلال 24 ساعة أعلن أنه يرفض الاندماج مع البغدادي وأن ولاء جبهة النصرة هو لتنظيم القاعدة ولزعيمها الظواهري الذي عادت ونبتت مخالبه من جديد.

بالتوازي مع ذلك، كانت طالبان تجري حواراتها مع الولايات المتحدة سرا وجهرا، وكان خط مفاوضات الدوحة قد بدأ يشتد ويصبح أكثر جدية. وبدت القاعدة متروكة في الهامش، لم يعد لديها أي تمظهرات سوى في ما تفعله جبهة النصرة، وانحسر حضورها عالميا أكثر.

بدأت تصل معلومات عن تواجد الظواهري وما تبقى من قادة القاعدة في إيران تحت حماية الحرس الثوري والمرشد علي خامنئي، ولم تكد تمضي ثلاث سنوات على بيعة جبهة النصرة له حتى أعلن زعيمها عن سحب يده من مبايعة الظواهري. وحين اقترب الاتفاق النووي ما بين الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما والإيرانيين كان مترافقا مع تعهد إيراني بطرد قيادات القاعدة من أراضيها.

قال الجولاني إن جبهته لم تعد تنتمي إلى مؤسسة خارجية وأنها منذ ذلك التاريخ صيف العام 2016 باتت تحمل اسما آخر، وكانت التقارير تؤكد أن الجولاني يخطّط لغسل اسم تنظيمه من القاعدة وما شابها من عمليات إرهابية. وهكذا خسر الظواهري آخر جيوشه القوية في الشرق الأوسط.

ولم يتبق له سوى ”حركة الشباب" في الصومال وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين غرب أفريقيا، وفلول "الجماعة السلفية للدعوة والقتال” الجزائرية التي أصبحت "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي".

أما في مصر فلدى القاعدة بعض الكتائب مثل "جند الإسلام”، و”المرابطون”، و”أنصار الإسلام”، و”أجناد مصر" وجميعها تعلن ولاءها للتنظيم الأم، إضافة إلى فرع السعودية واليمن اللذين اندمجا سابقا وينشط التكوين الجديد لهما في مناطق اليمن الوعرة وكان من بين أشهر عملياته الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو” الأسبوعية الفرنسية الساخرة الذي خلّف 12 قتيلا في السابع من يناير 2015.

وحتى ذلك الحين كانت القاعدة تصرّ على القول إن لديها فروعا في كل من أفغانستان وباكستان وميانمار والهند وبنغلاديش، وبعد إعلان جبهة النصرة عن فك ارتباطه بالقاعدة بعامين سارع ”حراس الدين" في سوريا إلى الإعلان عن أنهم فرع من فروع القاعدة.

بعد التخلص من تنظيم داعش ومطاردة قياداته وقتلها واحدا تلو الآخر، شعر الظواهري أن هناك فراغا مواتيا قد نشأ، لكنه كان قد فقد السيطرة، فقد كانت الفلسفة التي أقرّها في قيادة التنظيم، أيضا مختلفة عن فلسفة بن لادن الذي كان صاحب القرار الأول والأخير في التنظيم، بينما فضّل الظواهري تطبيق فكرة اللامركزية في القيادة، وهي أيضا اشتقاق إخواني قادم من قصة المرشد ومكتب الإرشاد والفروع والمراقبين في أنحاء العالم. لكن القيادة بهذه الطريقة مع تنظيم يعتمد على خرق القوانين كافة، لا يمكن أن يكتب لها النجاح، وهذا ما حدث بالفعل.

عادت القاعدة كما بدأت إلى مرحلة الذئاب المنفردة، ولم تعد تشكّل ذلك الخطر الذي أرعبت به العالم، والعالم ذاته قد تغيّر كثيرا عن العام 2001 سنة تفجير برجي مركز التجارة العالمية في مانهاتن. حتى طالبان اليوم غير طالبان الأمس، ولعل هذا ما يفسّر تمكّن الأميركيين من صيد الظواهري وهو في كنف حلفائه، بعد مرحلة من الضجيج الصوتي انتعش فيها الظواهري إثر عودة طالبان.

ستحاول القاعدة اليوم العودة من جديد، مع المرشحين لخلافة الظواهري، ومن أبرزهم محمد صلاح الدين زيدان، الملقب بـ”سيف العدل”، وهو مصري في مطلع الستينات من عمره، درس التجارة وكان ضابط احتياط، وهو يقيم في إيران منذ العام 2001.

وقد سرّب ”ثعلب القاعدة" وهو صهر الظواهري أنه تعهد في رسالة خطها بيده في نهاية مارس 2014 مع بعض قادة التنظيم أنه في حال وفاة الظواهري، زعيم القاعدة، سيبايعون أبي الخير المصري، وأبي محمد المصري، وسيف العدل، وناصر الوحيشي على التوالي، وكل هؤلاء لقوا حتوفهم باستثناء سيف العدل.

الكرة اليوم في ملعب إيران، ورأس القاعدة، التنظيم السلفي السني المتشدد، يبدو الآن بين يدي الولي الفقيه الشيعي، فسيف العدل وفقا للمعلومات، لم يكن من بين الذين طلبت منهم إيران مغادرة أراضيها إرضاء للغرب، وتمسكت به حتى يحين الوقت المناسب. والعلاقة ما بين الاثنين تعود إلى التسعينات، حين التقى سيف العدل رفقة بن لادن في السودان مسؤولا إيرانيا رفيعا للتنسيق العسكري والأمني، وصل إلى حدود متقدمة، حتى بات سيف العدل هو مسؤول ملف إيران في القاعدة.

على رأس سيف العدل جائزة مقدارها 10 ملايين دولار، وهو ضمن قائمة أكثر الإرهابيين المطلوبين لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، وهو يقيم مع زوجته أسماء مصطفى حامد ابنة مؤرخ القاعدة "أبي الوليد" الذي نشر قصة زواج ابنته مطلع فبراير الماضي على موقعه الشخصي "مافا السياسي" الذي يصدر من إيران.

بدا الإعلان عن القائد الجديد للقاعدة، بهذه الصورة، وقبل نشر خبر اغتيال الظواهري بشهور، وكأنه ينبئ بمرحلة مختلفة، مرحلة شابة، كما يقول مؤرخ القاعدة الذي ركّز على الاختلافات في الرأي بين سيف العدل وغيره من ”كبار السن" في التنظيم.

صحيفة العرب

لن تسمح إيران لأي قوة تنافس سيف العدل على هذا المنصب بالنجاح في تحقيق مآربها، فهذه الورقة أصبحت اليوم ورقة من أوراق التفاوض الإيرانية مع الغرب، وما أسسه بن لادن في وسط وهابي متشدّد غدا اليوم يمضي على الطريق الذي مضت فيه حماس نحو الحضن الإيراني أكثر وأكثر.