لا أفق لتجاوز لبنان أزماته السياسية والاقتصادية

أخبار البلد - جدد البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الأحد انتقاده لتعطل تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة ومساعي إدخال البلاد في فراغ رئاسي، محملا رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل ومن خلفه الرئيس اللبناني ميشال عون مسؤولية ذلك دون ذكرهما.

وتحرج انتقادات الراعي باسيل الطامح لخلافة صهره (الرئيس اللبناني) في قصر بعبدا كما أنها تشير، وفق محللين، إلى تأزم العلاقة بين المرجعية الدينية المسيحية والرئيس عون الذي يربط الإفراج عن الحكومة اللبنانية بضمانات للتيار استباقا لفراغ رئاسي عقب انتهاء عهدته في الحادي والثلاثين من أكتوبر القادم.

ويقول محللون إن الرئيس اللبناني الذي بشر في وقت سابق بفراغ رئاسي واستبعد ولادة حكومة لبنانية جديدة يسعى لضمان حصة وازنة للتيار الوطني الحر صلب الحكومة الجديدة أو الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال الحالية التي يتمتع فيها التيار بثقل وزاري.


بشارة بطرس الراعي: الاتفاق مع إسرائيل صار أسهل من الاتفاق على حكومة

ويعزو هؤلاء ذلك إلى أن عون يفكر منذ الأن في الفراغ الرئاسي أين تعهد فيه مهام إدارة شؤون مؤسسة الرئاسة إلى الحكومة.

وقال الراعي، أكبر رجال الدين المسيحي في لبنان، إن من "المعيب” ألا يشكل الساسة حتى الآن حكومة جديدة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الانتخابات، وألقى باللوم في "انحلال” البلاد على نزاعهم المزمن.

ويرى الكثير من اللبنانيين أن النخبة التي تحكم البلاد منذ فترة طويلة عاجزة بسبب الفساد والتقاعس عن أداء دورها، ويلقون باللوم عليها في دفع لبنان إلى انهيار مالي واقتصادي تسبب في الزج بثمانية من كل عشرة أشخاص في براثن الفقر.

وفي عظته الأسبوعية الأحد، عقد الراعي مقارنة لاذعة بين التقدم الذي أحرزه لبنان في تأمين اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل والشلل الذي أصاب السياسة الداخلية.

وقال "من المعيب أن تبذل السلطة جهودا للاتفاق مع إسرائيل على الحدود البحرية وتنكفئ بالمقابل عن تشكيل حكومة، فهل صار أسهل عليها الاتفاق مع إسرائيل من الاتفاق على حكومة بين اللبنانيين؟ إن كرامة الشعب ترفض كل ذلك”.

وأضاف "أليس انقسام السلطة السياسية في لبنان، وانشطار الأحزاب عموديا وأفقيا، هما في أساس الانحلال السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والمعيشي؟”.

ويتمتع الراعي بنفوذ كبير في لبنان، حيث يقوم النظام السياسي على تقاسم السلطة بين مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية، مع الاحتفاظ بمنصب الرئيس لمرشح من الموارنة الكاثوليك.

وفي مناشدته للساسة لحل الأزمة، بدا أن الراعي يسعى لكسر الجمود. وقال البطريرك الماروني إن "الحملات الإعلامية القبيحة” تهدف فيما يبدو إلى تأخير تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس جديد في وقت لاحق من هذا العام. وكان الراعي يلمح إلى تصاعد الخلاف بين الرئيس ميشال عون ورئيس الوزراء المكلف نجيب ميقاتي، الذي أعيد ترشيحه كرئيس للوزراء بعد الانتخابات البرلمانية في مايو، ويكافح من أجل تشكيل حكومة جديدة.

وقدم ميقاتي على عجل مسودة لتشكيل الحكومة إلى عون في يونيو وتمسك بها، فيما اقترح عون تشكيلا مختلفا.

وأصدر التيار الوطني الحر بزعامة عون الأسبوع الماضي موجة من التصريحات اتهم فيها ميقاتي بتأخير تشكيل الحكومة وحتى بالإثراء غير المشروع من خلال الفساد. ورد مكتب ميقاتي بالقول إن حزب عون بعيد عن الواقع الذي يعيشه لبنان.

ولا تزال مشاورات تشكيل الحكومة تراوح مكانها في ظل الخلاف المستمر حول توزيع الوزارات، لاسيما وزارة الطاقة، فيما لا يبدو أن هناك أي بوادر للحل في الأيام المقبلة.

ولفتت مصادر لبنانية إلى أن المشكلة لا تزال عند مطالبة الرئيس عون بإبقاء وزارة الطاقة من حصته وحصة التيار الوطني الحر أو استبدال وزارة الداخلية بها، وهو ما يرفضه ميقاتي الذي منحها لشخصية سنية في التشكيلة التي قدّمها لعون والمؤلفة من 24 وزيرا وأبقى وزارة الداخلية مع الطائفة السنية.

ويطالب باسيل (صهر عون) بضمانات وتعهدات قبل الإفراج عن الحكومة الجديدة وهو ما يرفضه ميقاتي المتمسك بحكومة إصلاحات.

ويطالب مسبقا بمعرفة موقف رئيس الحكومة ووزير المالية من رفع الغطاء والحماية عن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لإقالته.

كما يطالب بالتزام رئيس الحكومة ووزير العدل ووزير المالية بتسهيل إنهاء التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت المجمد حاليا بسبب الدعاوى المرفوعة من بعض الشخصيات الملاحقة من قاضي التحقيق، ضد الأخير، والعالقة في الهيئة الاتهامية في محكمة التمييز.

الرئيس اللبناني يسعى لضمان حصة وازنة للتيار الوطني الحر صلب الحكومة الجديدة

ويصر باسيل على وجود السياسيين في الحكومة وهو ما يعكس أنه يريد أن يكون وزيرا فيها من أجل مشاركة رئيس الحكومة في الحصول على صلاحيات الرئاسة عندما يستجدّ فراغ رئاسي، وبالتالي يكون له دور في اختيار الرئيس المقبل عن طريق تأثيره في قرارات الحكومة ونفوذه فيها إذا طال هذا الفراغ، طالما يتعذر انتخابه هو بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه منذ نوفمبر 2020.

وقبل ثلاثة أشهر على حلول موعد نهاية عهدة الرئيس عون، لا يزال الغموض يكتنف المرشح الرئاسي التوافقي الذي ستقدمه القوى المسيحية باعتبار أن منصب الرئيس من نصيب الطائفة المسيحية المارونية وفق ما جاء في اتفاق الطائف لتقاسم السلطة.

ومن المعلوم أنّ رئيس الجمهورية اللبنانية غالبا ما يُنتخَب بناء على توافق داخلي وخارجي معا، غير أنّ هذا الأمر ينتظر تفاهمات إقليمية ودولية لم تحصل بعد.