العدوان على غزة: معركة الوعي توازي معركة البارود

أخبار البلد-

 
في المعركة العقائدية المفتوحة لا وجود لِمَا يسمى "عملًا استفزازيًا"، وآخر "غير استفزازي" يُبرر أو لا يبرر عدوانًا للمحتل المعتدي!
إن مجرد القَبُول باستعمال ذلك الخطاب التبريري ولو كان في مَعْرض تسويق الفِعل الـمُقاوِم هو في حقيقته استدراج إلى فخِ تبني إستراتيجية خطاب مغتصب الأرض نفسها! وهذا ما يريد أن يُوقِعَنا فيه بالضبط!
ما دامت الأرض محتلة، وأولى القبلتين وثالث الحرمين أسير؛ فواجب الجهاد لا يحتاج إلى تسويغ أخلاقي أقوى من تواجد المحتل على تلك الأرض.
المسألة مسألة وعي، واحتراز من الانجرار إلى ألاعيب الجلاد باستنساخ إستراتيجية خطابه الإعلامي المُوجَّه أساسًا إلى المجتمع الغربي، إذ لسنا ملزمين بما يقول؛ لأن المسألة مبادئية بحتة عند أحرار العالم، ولسنا مضطرين إلى إقناع "الآخر" بأخلاقية القضية الفلسطينية، وعَقَائديتها عندنا.
لكنَّ بعضنا يرتكب خطأً كبيرًا في معركة الوعي حين يتورط بلا قصد في تسويغ رد المقاومة الفلسطينية على قصف غزة بالصواريخ بالقول: "لم يكن ثمة داعٍ لشن هذه الهجمة الشعواء على غزة، والمقاومة لم ترتكب عملًا مستفزًا يُجبر الصهاينة على الرد؛ إذن العدو هو الذي بدأ، وسيدفع الثمن!".
وهنا تكمن المشكلة الجوهرية؛ لأنَّ:-
أولًا: هل ثمة هجمات شعواء يكون لها داعٍ، وأخرى لا يكون لها داعٍ؟!! العدوان يظل عدوانًا ولو كان في سبيل حق؛ فالحق لا يُبِيح لك تجاوز حَدِّه إلى مرتبة العدوان، فأنت -مثلًا- تأخذ نَفْسًا بنفسٍ قِصَاصًا، ولا تأخذ نَفْسًا بنفوس قِصاصًا؛ لِئلا ترتكب عدوانًا بالإسراف في قتل مَن لا يحل لك دمُه.
إنه ضابط إلهي لتكبيل النفس المقهورة عن الانسياق وراء سَرَفِ الثأر.
ثانيًا وهي الأهم: النقاش تحول من كون فلسطين والمسجد الأقصى يرزحان تحت احتلال إلى مساحةٍ هامشيةٍ يدور النقاشُ فيها على مَن البادئ باستفزاز الآخر: أهم المحتلون الصهاينة أم المجاهدون الذين اختاروا التوقيت الغلط؟! لقد صُرِفت أنظارنا عن القضية المركزية؛ وهي أن الأرض المقدسة محتلة أساسًا، وفي حالة احتلال!! وبالتالي ليس المهم مَن يَبدأ الآخر؛ إنما المهم هو المقاومة ثم المقاومة حتى النصر أو الشهادة.
هذا التبرير لم يكتفِ بالمساواة بين المحتل وصاحب الأرض وحسب، ولكنه أيضًا انساق إلى مصيدة الدعاية الإعلامية؛ لأن ذلك سيُلزِمنا بإدانة المقاومة في حال ابتدائها العدو الصهيوني بالمقاومة، سواء بسواء؛ باعتبارها البادئة بالاستفزاز كأحد لوازم المقياس نفسه الذي احتكم الشخص إليه في إدانة الصهاينة حين بدؤوا هم الاستفزاز!
فليس من العدالة أن تكون انتقائيًا ترضى بمنطق العدو حين يكون لك الحق عليه، ثم تأبى الاحتكام إلى معياره ذاته حين يكون له الحق عليك!
تلك مغالطة، فصاحب الدار ليس مُطالَبًا بسببٍ يُبرر به طرد لص مسلح من داره متى ما سنحت له الفرصة لذلك؛ لأن تلك الدار أساسًا تحت احتلال اللص بغض النظر عن مدة احتلاله الدار.
وفي الوقت الذي يُعلن فيه الصهاينة "يهودية الدولة"، ويُشرِّع قوانينَ لتكريس هذا الحق على مَسمع العالم كله، يُهرول المسلمون خِفافًا وثقالًا إلى التصريح أنهم والحمد لله "دول غير دينية"! إنما هم "دول مَدنية" أو "دول عَلْمانية"؛ طمعًا في نيل العالم الغربي!
فالصهاينة على باطلهم لا يستحيون من إعلان أنهم "دولة دينية" رسميًا، أما نحن المسلمينَ فنكتفي استحياءً بنفي "إسلامية دولنا" بالمعنى الديني الرسمي! وإنما نشير إشارة سريعة إلى أن دين الدولة هو الإسلام، وشتان ما بين الحالين!
إن معركة الوعي لا تقل خطورة عن معركة البارود وأزيز الرصاص؛ فالأُولى هي قَدَرُ حربنا، والثانية قَدَر حربهم، ولا عُذر لنا إنْ أَعَنَّا الصهاينة على إخواننا المجاهدين بخضوعنا لـ"غسيل الوعي".